أقول: أيضا في هذه الآيات أوضح الدلالات في قصر الله عز وجل الثناء على المهاجرين والأنصار، فالله عز وجل أخبرنا بعلاماتهم وصفاتهم وأعمالهم، ثم فصل في (الإحسان) المشترط فيمن بعدهم بأنه -إضافة لصالح الأعمال- من علاماته الكبرى الدعاء للسابقين من المهاجرين والأنصار، وعدم التعرض لهم ببغض أو سب؛ وهذا (الإحسان) لم يفعله بعض المتأخرين ممن سلم بعد بيعة الرضوان ككثير من الطلقاء والأعراب فمعاوية بن أبي سفيان والوليد بن عقبة وبسر بن أبى أرطأة وحرقوص بن زهير السعدي رأس الخوارج وغيرهم من الذين حاربوا السابقين فالثلاثة الأولون حاربوا عليا وعمار وعشرات البدريين ومئات الرضوانيين الذين كانوا مع علي في خلافته وسبوهم، وقام الأخير وهو حرقوص بن زهير السعدي بمحاربة عثمان ثم علي وتكفيرهما فهذا وأمثاله يخرجون من (حسن الصحبة) و(حسن الاتباع) حتى وإن ترجم لهم العلماء في تراجم الصحابة وأثبتوا صحبتهم العامة بل إن حرقوصا ذكره بعضهم في أصحاب الحديبية وهي منزلة أعلى من منزلة المذكورين قبله، فإن صح فيكون استثناء من أهل الحديبية.
ولذلك قال بعض المحققين في هذه المسألة: بأن من سب الصحابة السابقين من المسمين ب(الصحابة المتأخرين) كبعض أهل مصر في سبهم عثمان وأكثر أهل الشام في سبهم عليا قد خرجوا من الطوائف الثلاث: فهم لم يدخلوا في المهاجرين والأنصار قطعا كما لم يدخلوا في التابعين بإحسان لمخالفتهم الأمر بالاستغفار للسابقين وعدم التعرض لهم بل حاربوهم وآذوهم.
পৃষ্ঠা ২৯