فطر إن كنت يوما ذا جناح
فإن قوادم البازي يهضنه
وكم طير قصصن لغير ذنب
وألزمن السجون فما نهضنه!
ثم انظر إلى هذا البيت الذي يعترف فيه أبو العلاء اعترافا صريحا قاطعا بعجز العقل وقصوره فيقول:
متى عرض الحجا لله ضاقت
مذاهبه عليه وإن عرضنه
فهذا العقل الجبار الذي يقبل ويدبر ويكر ويفر، وتتسع له المذاهب حين يعرض لكثير من المشكلات، فإذا هو يبني ويهدم، وإذا هو ينقض ويبرم، لا يكاد يعرض لله حتى تضيق عليه المذاهب، وتؤخذ عليه من أقطارها، فإذا هو عاجز قاصر لا يستطيع أن يصول ولا أن يجول.
وليس الغريب أن يعترف أبو العلاء بقصور العقل، وعجزه حين يعرض لله، وإنما الغريب أن يقف أبو العلاء بهذا الاعتراف عند هذا الحد، وألا يستقصي نتائجه المنطقية؛ فإن العقل إذا عجز عن فهم الله، وتعرف كنهه كان خليقا أن يعجز عن فهم كثير من الأشياء التي تصدر عن الله. وهو إذا اعترف بهذا العجز كان خليقا أن يتواضع، فلا يعني نفسه ، ولا يمنيها، ولا يجشمها هذه الأهوال التي تتجشمها في سبيل التحليل والتعليل والتأويل. وإنما قصارى العقل أن يجد ما وسعه الجد، وأن يفهم ما استقام له الفهم، وأن يدبر أموره في هذه الحياة كما تستقيم له الظروف، فإذا انتهى إلى حيث لا يطيق أن يبعد في سبيله وقف وقفة المتواضع الذي لا يطغى، ولا يتكبر، ولا يتجبر، ولا يتورط في هذا الإنكار العنيف الذي يثير اليأس والبؤس والقنوط، إنما تفهم الكبرياء الجامحة من عقل الملحد الذي لا يؤمن بالله، ولا يعترف بوجوده ولا بحكمته.
فأما العقل الذي يؤمن بالله، ويثبت له العدل والحكمة فهو ظالم لنفسه إن تمرد، وباغ عليها إن ورطها في الإنكار والجحود.
অজানা পৃষ্ঠা