غبنا وأي غبن! ولذلك أقتصر في الرد على جناب الأديب «خ. س» بالإشارة إلى الوهم الذي جعله يعترض اعتراضه علي في مقالته التي وضعها تحت عنوان: «الرجل والمرأة وهل يتساويان؟» حتى إذا انتبه إليه أصلحه، وهو في قوله أولا: «والذي يلوح لي أن الأنثى والذكر متساويان في القوة أصلا، ثم كلما ارتفعت في سلم النشوء انحطت قوتها ... إلخ.» وثانيا في قوله: «ولما كان القائلون بامتياز الأنثى على الذكر قوة في الحيوانات السافلة لا بد لهم من مستند يقررون به قولهم، فنطلب إلى الدكتور شميل أن يفيدنا عن بعض مستنداتهم هذه.» فنجيب حضرته على القول الأول بأن المسألة ليست من قبيل اللوح حتى يلوح له بالحدس والتخمين، ولكن من قبيل اليقين المقرر بالمراقبة والاختبار؛ وعلى القول الثاني بأنه لو انتبه إلى معنى قولنا: «فمن المعلوم لأهل النقد من علماء طبائع الحيوان أن الأنثى أشد من الذكر في الحيوانات السافلة ... إلخ» لعلم أن المراد بهذه الشدة أن الأنثى أكبر من الذكر في جسمها، وأشد في بنيتها وأقوى في قوتها، كأنثى النحل والزنابير والفراش وكثير من الأسماك والحشرات. فهذه هي المستندات التي يطلبها حضرته. وفيما عدا ذلك فإني شاكر لحضرته على انتصاره لي وإطرائه علي، والسلام ختام.
المقالة الثالثة عشرة
القضاء على القضاء1
ما خلص الإنسان من شباك علم اللاهوت وامتيازات الرؤساء حتى وقع في حبائل أشد وأدهى، وهي علم الحقوق أو اللاهوت الاجتماعي كما صار إليه اليوم، والثورة التي يقتضيها تغيير هذا النظام المعقد سيكون هولها شديدا؛ لتأصله في قلب الاجتماع، وامتداده إلى أعماق نظاماته، ولكن اليوم الذي سيتخلص الاجتماع منه، ويرده إلى شكله البسيط، سيكون نعمة عظيمة أيضا؛ إذ تنصرف القوى الضائعة فيه بذلك إلى تمهيد السبيل القويم لسرعة ارتقائه الارتقاء الحقيقي. ***
لو أنصف القاضي استراح الناس
إليك أكتب أيها القارئ العاقل والعاقل المتأمل، ولا أطلب منك علما واسعا وفلسفة بديعة وحكمة بليغة، بل أطلب منك عقلا حلت قيوده وتفتحت منافذه، وأقام التفكر مقام الاعتقاد والبحث مقام المقرر، يقدر مستنتجات العلم قدرها، ولا يبخس مستنبطات العقل حقها، فأعرني سمعك قليلا، ولا أكلفك حلما طويلا قبل أن ترميني بالإغراب لاستغرابك عنوان مقالتي، وتقول: «من ذا الذي يريد قلب الموضوع وتغيير المطبوع؟» لأني على يقين بأنك إذا أمعنت نظرك، وسرت معي شوطا غير بعيد في هذا البحث الاجتماعي؛ لم تعد ترضى بالوقوف عند الحد الذي أوقفتك عنده تعاليم وضعها الناس على ما بهم من الجهل والغواية، وأدخلوها إلى عقلك بالإرهاب والترغيب حتى رسخت فيه، وصارت في اعتقاده قضايا مسلمة لا تقبل التغيير، وجرت على ألسنة الناس مجرى الأمثال، واعتبروها من الحكم الباهرة، وهي لو تفحصتها وجدتها أوهى من نسيج العنكبوت، يمزقها التمحيص تمزيقا ولا تثبت على جمر الانتقاد، بل لو دققت البحث فيها جيدا لاستغربت جدا، كيف يستطيع العقل أن يضل هذا الضلال، ويحيد عن الجادة المثلى، والأمثلة التي أمامه من الطبيعة كثيرة ترشده إلى خلاف ذلك، وتعلمه طريق الصواب؟ والطبيعة هي الكتاب الوحيد المنزل الذي ينبغي أن يعول عليه وأن نرجع في أحكامنا إليه. •••
جرى على ألسنة الناس مجرى الأمثال قولهم: «لو أنصف الناس استراح القاضي.» وربما لم يخطر على بال أحد أنه سيقوم أناس يعتبرون مثل هذا القول خطأ، ويرون الصواب في عكسه، ويؤيدون قولهم بأدلة تنطبق على العلم ويقبلها العقل، ولا يجرحها إلا كثرة عدد الجمهور المستغرق في سبات الاقتناع، والراقد على أديم التواتر.
والعلماء والحكماء لا يهمهم ذلك، ولو نالهم منه صدمة قوية زعزعت أركان مصالحهم، ولكنها لا تستطيع شيئا على أفكارهم، والمستقبل لهم؛ أي لمبادئهم. فهؤلاء الناس يقولون: «لو أنصف القاضي استراح الناس.» ويريدون بالقاضي هنا القضاء عموما، لا الأحكام الخصوصية التي يصدرها القضاة أحيانا كثيرة وتكون عرضة للانتقاد، كحكم المحاكم الأهلية في قضية الاختلاس الذي وقع في إحدى مصالح الحكومة، إذ أفلتت القوي عملا بقوله:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له
وتتقي مربض المستأسد الضاري
অজানা পৃষ্ঠা