فقال قوم: إن المقياس الأخلاقي في أنفسنا، وإنه لصوت فينا يخبرنا كيف نميز بين الحق والباطل، وإن القانون الأخلاقي مستمد من نفوسنا تشرعه قوة فينا، وهو مقيم في أعماق نفوسنا - يساعدان على إزاحة حجب المظاهر حتى نصل إلى إدراك الواجب، وهذا القانون الأخلاقي - المقياس - يهدينا في أعمالنا، وله سلطان قوي على كل مصادر السلطان الأخرى، وتسمى هذه النظرية نظرية «القانون الذاتي»
Autonomous ؛ لقولها بوجود القانون الأخلاقي في طبيعة الإنسان، وبعض هؤلاء الفلاسفة اعتبر هذا الصوت الباطني هو صوت العقل، ويسمون بالعقليين. وقد كان قدماء الفلاسفة والفلاسفة الذين في عصر الثورة الفرنسية الكبرى عقليين بهذا المعنى، وهم يجعلون للعقل القول الفصل في الحكم على الأعمال، وله سلطان قوي على سلوك الإنسان، وفي طليعة القائلين بهذه النظرية «كانت».
وقال قوم: يجب أن يفسح العقل مجالا للشعور، وأن السلطان الذي يحمل على إطاعة القانون الأخلاقي إنما هو في أنفسنا كما قال «هيوم» و«شوبنهور» و«آدم سمث» وغيرهم، ولكن ليس مركزه العقل بل الشعور، فسلطان القانون الأخلاقي شعور باطني مغروس في نفوسنا، «وهذا الشعور ألم مختلف الشدة يعقب مخالفة الواجب، ويحمل - في الأحوال الهامة عند من صلحت تربيتهم - على النفور من المخالفة حتى يخيل لهم أنها مستحيلة.»
4
وعلى الضد من نظرية «القانون الذاتي» نظرية «القانون الخارجي»
Heteronomous ، وهي تضع المقياس الأخلاقي وسلطانه في يد سلطة خارجية، فهي تقول: إن الخوف من الله رب العالمين والخوف من المخلوقين، والرغبة في تحصيل الثواب من الله والاستحسان من الناس هي أساس الواجبات الأخلاقية، وهي السلطان الحامل على إطاعة القانون الأخلاقي، وإن القانون الأخلاقي والقواعد التي تبين السلوك الأخلاقي (المقياس) تستمد من قوة خارجية لا من قوة فينا كإرادة الله أو الملك أو قانون المجتمع.
ومما يتصل أشد اتصال بهذه المسائل الأخلاقية مسألة حرية الإرادة، ولتوضيح ذلك نقول: هل إرادتنا حرة فنحن نطيع القانون الأخلاقي ونخضع له اختيارا؟ وهل إطاعتنا للقانون الأخلاقي تشعر بأن لنا اختيارا، وأن العامل حر في اختيار العمل، وحر في تشكيل عمله بما يشاء، وحر في استعمال القانون الأخلاقي حسب ما يحيط به من الظروف؟ أو أنا مضطرون بمقتضى الطبيعة أن نعمل في الحالة المعينة عملا خاصا بحيث لا نستطيع أن نعمل غيره، وأن إرادتنا معلولة بعلل، فإذا حصلت العلل حصل المعلول، وأن عزمنا على إتيان عمل وإن كنا نشعر بأننا أحرار فيه ليس إلا نتيجة لازمة لأسباب تسبقه وتستلزمه؟
انقسم الفلاسفة في الإجابة على هذا إلى قسمين تحاجا ولا يزالان يتحاجان إلى اليوم؛ فمذهب يرى أن الإرادة حرة حرية مطلقة لا يضطرها أي سبب ولا أية علة، ويعرف هذا المذهب بمذهب الاختيار، ومذهب يرى أن إرادة العامل واختياره نتيجة لازمة لأسباب سابقة، ويسمى مذهب الجبر، ومسألة الجبر والاختيار من المسائل الهامة التي حاول حلها كل من الدين والفلسفة.
هوامش
الفصل الرابع
অজানা পৃষ্ঠা