وقد عممت النصرانية - إلى حد ما - تعاليم اليهودية، ونشرت في المغرب أصول الأخلاق التي وردت في التوراة، والأخلاق عند اليهود إلهية المنشأ، فالمبادئ الأساسية فيها دينية، وليست الأخلاقية إلا نتيجة أمر الله ومن فيضه، وبعبارة أخرى هي تنفيذ أمر الله. نعم، إن الإنسان محتاج إلى قواعد وقوانين تنظم سلوكه، ولكن لا يشرع هذه القوانين والقواعد إلا الله، وهم يرون أن الخير الأخلاقي وإرضاء الله لا ينفصلان، وأن فروض الله والقوانين الأخلاقية متلازمان، وليس الشيء أخلاقيا لأن الله أمر به، بل الله أمر به لأنه أخلاقي؛ فإن الأخلاقية هي المركز الأساسي ومطمح نظر العالم، قال «هرمن لوتز» الفيلسوف الألماني العصري في كتابه الشهير (العالم الصغير): «إن العبرانيين - على ما يظهر لنا الآن - كانوا بين الأمم الشرقية المحكومة بحكومة دينية كالصاحي بين قوم دبت فيهم الكأس، ونال منهم الشراب، وإن كانوا في القديم قد عدوا كالحالمين بين العاملين، وإن التعهدات والالتزامات الأخلاقية التي يرقي الشعور بها الأعمال الاجتماعية كانت في اليهودية تنحصر في إرادة الله، وإرادة الله يجب أن ينفذها الشخص ويمجدها في سره وجهره، بل كذلك الأمة - من حيث هي أمة - يجب أن تنفذها وتمجدها بخضوعها في حياتها لحكومة ونظم دينية.»
من أهم المبادئ حب الله وإطاعته، وحب الإنسان، وهي مبادئ تتطلب التحلي بفضائل كالعدل والإحسان، وبينا نرى علم الأخلاق عند اليونان يعد الغاية القصوى للإنسان كمال شخصه؛ باستعمال كل قواه وملكاته الطبيعية حتى يصل إلى السعادة، إذ نرى الأخلاق النصرانية تطلب من الإنسان السعي وراء طهارة النفس في الفكر والعمل، وتجعل للروح سلطة مطلقة على البدن وعلى الشهوات الطبيعية، وهذه الروحانية أدت إلى إنكار حقوق البدن، واعتزال هذا العالم، ونبذ الحياة الطبيعية واحتقارها، كما أدت إلى الزهد والتنسك والرهبانية، ومحالفة الفقر، وتحمل الآلام البدنية، وعلى الجملة فقد أدت إلى «حياة غير طبيعية»، وشيء آخر جديد وهو عقيدة «النجاة بالغفران»، وهي مبنية على أن الإنسان آثم بطبيعته، وليس في استطاعته الوصول إلى النجاة بقوته وجده، وإنما ينال النجاة بالغفران، وذلك الغفران تمنحه الكنيسة بطريقة استبدادية محضة، وبذلك انهارت أصول التعاليم والعقائد التي وضعها مؤسس المسيحية بالأغلاط التي ارتكبها أتباعه، وأصبحت الآن الرسوم والمظاهر الدينية في النصرانية واليهودية أهم بكثير من الأخلاق وطهارة الحياة في الفكر والعمل، وقد كان إنما يقصد من هذه الرسوم والمظاهر في الأصل أن تكون رمزا.
أما الأفكار الأخلاقية الحديثة فيرجع أصلها إلى «مارتن لوثر»؛ ذلك الراهب الشجاع الذي ظهر في «وتنبرج»،
11
وتمتاز بميلها إلى «الواقع» والحقيقة لا الخيال، وترى أن غرض الإنسان هو إظهار كل ما فيه من قوى وملكات بالحياة العملية في هذا العالم؛ وعلى هذا بنيت الفلسفة الأخلاقية الحديثة ولا سيما المذهب الإنجليزي فيها، وانفصلت الأخلاق بالتدريج عن الدين وصارت علما فلسفيا، ومن أكبر من بحث في هذا الفرع من الفلسفة لوك وهوبز وشافتسبري وهتشسون وهيوم وآدم سمث في إنجلترا وإسكتلندا، وسبينوزا وليبنتز وولف في ألمانيا. وسنذكر الموضوعات التي أثاروها والمسائل التي بحثوها في فصل تال يبحث في المذاهب الأخلاقية. وقد جاء «كانت» بكتابه (نقد العقل المجرد) سنة 1788م فوجه البحث الأخلاقي وجهة جديدة، ذلك أنه قرر أن الإنسان يحمل بين جنبيه وفي نفسه منبع القانون وروح الأخلاق، وهذا الروح الأخلاقي مستقل عن التشريع، ولا يستمد أي شيء من الخارج، ويسمى هذا المبدأ الأخلاقي المستقل «بالآمر المطلق»،
12
ونحن إذا أخضعنا إرادتنا لهذا الروح الأخلاقي الذي فينا، ولذلك الآمر المطلق ولو خالف ميولنا؛ فقد أدينا ما علينا من الواجب، وسرنا سيرا أخلاقيا. وخلف «كانت» «فخته»، وجاء «هجل» و«شلرماخر» وشوبنهور، وفريدريك نيتشه، ودارون، وجون ستوارت مل، وهربرت سبنسر، فظلوا يعملون على ترقية المسائل الأخلاقية، ويضعون نظريات جديدة من عندهم.
هوامش
الفصل الثامن
علم الاجتماع (سسيولوجيا)
অজানা পৃষ্ঠা