প্রতি রাতে যা রয়ে যায়
ما يتبقى كل ليلة من الليل
জনগুলি
الرحلة الجميلة هي الرحلة التي تتعطل فيها السيارة في مكان تختاره هي، وغالبا ما تختار العربة أمكنة لا يرغب فيها المرتحلون، كذلك فعلت عربة الصديق القاص جعفر العقيلي (التويوتا الهجين)، بعد أن عدنا من رحلة لم تكتمل إلى المغطس، وهو المكان الذي التقى فيه السيد المسيح بالسيد يوحنا الذي لقب بالمعمدان، فقد كان الأخير يعمد الناس كبشارة روحية بقدوم النبي عيسى ابن الإنسان، حيث عمد السيد المسيح بأن غطسه في نهر الأردن.
ولأن الموقع يقترب كثيرا من فلسطين المحتلة، كان علينا اجتياز خطة أمنية لم يتوافر زمن كاف لدينا من أجلها، لكننا وقفنا حيث شممنا عبق النهر، فطربنا أغصان أشجاره النبوية المرحابة، وسمعنا بقايا كلمات الرب العالقة في سماوات المكان.
كان صديقي السينمائي والمسرحي التونسي يوسف البحري مشغولا بالتقاط الصور، واكتشاف الزوايا التي تظهر جمال الأمكنة، وجعفر كعادته لا يكل ولا يمل، ويحاور ويجادل محاولا تجاوز بيروقراطية الترتيبات لزيارة المكان، أما أنا فكنت أرى يوحنا يخوض الماء إلى منتصف جسده، يباركه بكفيه، تحلق فوق رأسه حمامات، يظللنه بأجنحتهن، ويقلن لي: مرحبا بك في المغطس، يا ابن مريم (مريم اسم أمي).
كان الجو حارا بمحاذاة البحر الميت، والجندي البدوي الذي وجدناه في الصحراء تحت شجرة ينتظر أن تأتي عربة تقله منذ أكثر من عشر ساعات، لم يستطع السيطرة على دهشته، فبعد أن أفسحنا له المجال في العربة ليصل إلى وظيفته، ظل يسألني عن رفيقي كلما انفرد بي، أقول له: أحدهما تونسي، والآخر أردني، وأنا سوداني، ثم يسألني لماذا جئنا هذه الطريق الصحراوية غير المعبدة؟ هل تبحثون عن شيء ما؟ ويسألني ما إذا كنت أقيم بالأردن.
كانت العربة أعلنت ثورتها وضيقها من وعورة الطريق، وأظهرت إشارات خطرة، وحدثتنا شاشتها الإلكترونية أن نوقفها حالا ونتصل بالشركة المنتجة، واشتعلت لمبات حمراء وصفراء، مثلثات وعلامات تعجب، استعنا بالدليل الورقي المخبوء في جيبها من أجل الإفهام، استعنا بدعاء التونسي لله، أن يرزقنا مخرجا، تذكرت أجدادي الصالحين جميعا، وغير الصالحين أيضا، فلم تكن لدينا رغبة في الموت بهذا الوادي الوعر، إنه يصلح لالتقاط الصور، ولكن ليس الموت! بالنسبة لي لذة الموت لا تكتمل إلا أن يدركك في مسقط رأسك، أقصد أمكنتك المحببة لنفسك، سريرك الوفي، وليس في قمة صخرة، مهما كانت جميلة وموحية ومرعبة.
كنا في طريقنا إلى البترا، عن طريقة نميلة، بتفريعة من شارع بالكاد، تم تعبيده يقود إلى قريقرة، كانت الجبال شاهقة، والرمال صفراء، والمخلوقات الثلاثة التي التقيناها طوال توغلنا في وادي نميلة كانت ناقة، وقعودا، وجنديا بدويا يستقل العربة، الآن معنا.
توكل العقيلي وقاد العربة بعلاتها التي لا نعرف عنها شيئا، بوجود علامات الإنذار التي تتطلب منه أن يتوقف حالا، عبر طرق لا يمكن وصفها بأقل من مرعبة، كنا كمن في فيلم لهتشكوك، أو كابوس لعين، حيث تتشعبط العربة الصغيرة مثل عنكبوت نزق في الطريق رأسيا عبر ممرات ضيقة ترابية تتلوى في قمة الجبل الجيري، كأنها ثعبان أسطوري لا نهاية لطوله، وتهبط عموديا نحو الهاويات العميقات، تغني فيروز عبر جهاز تسجيل العربة، في هدوء وحب، ويمثل صوتها الحلو موسيقى تصويرية غير موفقة لفيلم الرعب الذي نعيشه، ويطمئننا البدوي بأننا سوف نكون في البيضا فوادي موسى، بعد دقائق معدودات، وستصبح الطريق سهلة من هناك إلى البترا، كنت أفهم كيف يرى البدوي المسافة، ففي السودان عادة ما يضاعف الشخص الذكي المسافة التي يقترحها البدوي خمس مرات، فالبدوي يرى كل الأمكنة قريبة منه، فهو ملك الفضاء الرحيب؛ لذا كنت الأكثر قلقا وتشككا في حقيقة دقائقه.
5
مدينة وردية كقلب العاشق ...
حارس البوابة المفضية إلى المدينة الأثرية البترا، وهو رجل نحيف يرتدي الزي المدني، أقسم بكل عزيز لديه ألا يتركنا ندخل للمدينة، التي تلوح لنا بكفيها الحجريتين أن نأتي حالا، قال: إن زمن الزيارة انتهى، وهو لا يغامر بأن يتركنا ندخلها في وقت متأخر، تعالوا غدا، لكنه - لسوء حظه - لا يعرف أنه يجادل شخصا لا حدود لصبره وطول باله، وأنه يمتلك منطق الإنس والجن، يبتسم ويضحك، لكنه يقول كلمات في قوة الصخر - ولو أنها تبدو في ليونة الماء.
অজানা পৃষ্ঠা