প্রতি রাতে যা রয়ে যায়
ما يتبقى كل ليلة من الليل
জনগুলি
محض تشه
كل ما تعلمه الجندي في حياته تحصده طلقة واحدة، والسيدة التي اختلقتها من أجل الحب يسحبها التيار نحو بقايا السفن المنسية وكنوز رومانس، عصور تعرف الآن بعطرها وشيء من اللوتس الأسود، على شاطئ النيل يجلس النوبيون يروون لي كيف بنى جدي الهرم الأكبر، ثم تزوج ببنت صانع التوابيت الحجرية في مصر السفلى، أنا لا أضحك ... أرسم في شفتي لية فمك، وردة خدك العميقة، أبحر في ماء شفيف ينطلق نحوي، يسكرني وتصطف البنيات الجميلات المشيطات، سوقهن تهرع في الوقوف ... ويهتم الشعراء، ينشدون يقولون: إن العالم أجمل، وإنه الآن أحلى، وإن الليل تملص من قبضة الشرطي وهراوته، والتهم كلاب الحرس البنية، وأنا وأنت على المقهى، نحملق في عيني بعض، نتشهى أن نترك وحيدين، وأن يمضي الناس إلى ما شاءوا ... أن نترك والنادل ينعس، يتمطى، يجمع كرسيا على فنجان بارد وزجاجة ماء فارغة، عقب سيجارة بينسن، لفحة مريلة عصير العاشقة المحزون، رماد سجائرنا، فليتركنا نحملق في عينينا، نتشهى أن نرقص في العشب أو الماء أو الرمل، وأن نبني بيوتا من وقت يتكسر بين أناملنا، ويسيل لعاب الليل ... الليل ... الليل، وتبقى آخر فتاة للأسفلت، ولا امرأة أخرى غيرك تمشي بساقين شهيتين إلى موقف أم درمان ولا ... غير الشرطي البارد يمل صوتا ورصاصا وحافلة لا تمضي إلى أين ... رجال لا يمضون إلى أين ... كماسرة يتخذون من الأسفلت لباسا وينامون.
وأنت آخر عذراء في تلك الليلة تنظر في عيني عميقا، وتتعشق أن يتركنا النادل إلى أنفسنا وحيدين، ويتركنا النادل، المدينة لا تعرفني، وأنت القروية لا تعرفين سر الغربة، ولا تفهمين معنى أن يتركنا النادل ننظر في عينينا، نتشهى أن يتركنا النادل وأن يمضي ... غدا، غدا، يكتمل الفجر، تستهويني رؤية قبر الجندي ونبش حبيبته من موت قد يخدعنا أو يدل القاتل عنا ... أعرف أنك لا كالأم، ولا كالبنت، ولا كالعاشقة، ولا بنت الليل، وأعرف أن وجودك في المقهى محض تشه، وأعرف أني أخترق الليل إليك كالمتسول للدفء وللرائحة.
وأعرف أنك لا ... إلا أن تأتي إلي، وأن تلتئم اللوحة وأن نسقط.
الأعظم في الوحدة
اتخذت لنفسي صفة من صفات الناس، سوف لا يحسدني فيها حاسد غير نفسي ... وهي الفاسد ... ولأنني لم أكتف بأن أكون فاسدا فحسب، فأنا المفسد والمفسد والفسود الفسد، الفسيد، والفساد الفساد ... ويعرف العارفون أني أفسدهم معرفة أعرقهم مفسدة، وأني أحب - إذ أحب - في الناس أضلهم، فالضالون هم وحدهم من يعرف طرقا أخرى غير طرق الهداية، وهي سبيل بعيدة، شاسعة، مرعبة، وعرة، ولكن بها لذة ذاقوها وظلوا عليها وسوف لا يحيدون، وطرق الهداية طيبة وباردة، وأنها تميت الروح في الجنة، إنها كقفص من الثلج، وإني أسلك سلوكا هو الأسوأ في النبات، أقبل الطائر والثعبان في آن واحد، وهو الأجمل في الحيوان ... أعلم الشر ولا أتقيه، والأغرب في المسافة ابتداء في كل خطوة من جديد ولا نهاية لي، والأقبح عند الرجل ... إني لا أقول حبيبتي، ولكني أقول حبيباتي، والأحلى في البنت: رجل في القلب يزيده اتساعا، وإني أحب في البيت الفراش، وفي النساء عليه، تعلمت من صديق صيني: الرجل الفاضل يخاف على المرأة من كل الرجال إلا نفسه، أما الفاسد فهو الذي يخاف على نفسه من كل النساء، إلا التي تعرف اسمه.
كنا في البيت طائر ووردة ... في السكة يبقى الليل وحيدا يتحسس ظلمته ... كنا في البيت كشيئين طويلين بليدين، ولكنا الأعظم في الوحدة ... الصبر أضيق أبواب الفرج، والأم تصنع من مزق الفقر فطورا ... الأم تعلمني كيف أحيك الصبر لباسا يتسلل من بين خيوط التيل ... يمتد إلى ما دون الركبة، يتحسس دفء النظرة وكركرة البنت ... الأم تعلمني الفسق الطيب، ونحن نمد أيادينا للناس، نستثمر كنز الفقر ونضحك ... من علمني الحرف؟ من يبصق على وجهي الكلمات؟ من يعرف اسمي غير الجن وأنت؟
كنا نتجول في وقع الحزن علينا ... قالت أمي وفي يدها بقية قرش وقديد يتحرك فيه الوحش المقتول منذ سنين: لم ينفعك بعد بسم الله غير الوحش ... ضحكنا ... كانت أمي تشبه وجهي يسود كثيرا في الفرحة، ويصبح جميلا كالأسفلت حين الجوع ... كبرت ... تعلمت الإغواء ... يأتي الرجل حزينا مرتبكا يباعد بين الفخذين، يمص قليلا من ثدي ... يعبث ببقية ثوبي ينزعه، يستفرغ في رحمي، يستفرغ في رئتي، يستفرغ في نهدي، يستفرغ في بقايا الليل، يتبول في أودية القط فضيحته، أو يصرخ مندهشا، قالت أمي تهمس في أذني: الصبر أضيق أبواب الوحش ولوجا للذة.
اليوم يمر كألفي عام ... اليوم يمر كزنديق يهرع نحو الله، يحسبه الناس صفيقا، ويحسبه السلطان نبيا مرسلا ... اليوم يمر تحت إبط البنت يدغدق ذاكرة الشيخ، كان الفاسد مثل الليل يموت وحيدا في الظلمة، يأتيه الشعراء كأجمل أطيار الجنة. كالأم ... في ذاكرتي سجني، وأنا أتخذ السجن قلعة حرية ... أستعمل أوردتي حديد السجن وقلبي مطرقة الحداد، أصيغ الفقر سلاسل ذهب وخلاخل فضة ... اليوم يمر كقديس أعمى يرى بالقلب في الظلمة أكثر ... لم يشهد ملكوت الله ... لم يقرأ توراة ... لم يحفظ إنجيلا ... لم يتل قرآنا ... يرى في الظلمة نبض الإنسان ... جاء الشعراء الأموات يحتطبون الأجساد الكاذبة في سوق النخاسة ... أعرفهم ... غناء السلطان يميزهم، يحترفون رويال الصمت ... الأم تقول لهم: انتبهوا يا شعراء الريح، انتبهوا للأرض.
في بيتي جسدي ... وأنا أمتلك فيما أورثني جدي جسدي ... أمتلك الشجر الوارف والأصداف ... أمتلك البحر ... أمتلك الفرجة في وجعي ... أمتلك العصفور طليقا في السموات ... أمتلك الأرض ... الحرب تعيق الحرب ... السلم يعيق السلم ... الفلاح يدق الفأس يحيل الأشياء إلى ضوضاء مثمرة ونقيق.
অজানা পৃষ্ঠা