110

মা কাবল ইসলাম

عصر ما قبل الإسلام

জনগুলি

ولم يحل وقوع مكة في واد غير ذي زرع، وفي مناخ لا يوافق الصحة كثيرا، دون أن يكون الحجاز بسببها أهم مركز ديني في شمال بلاد العرب.

أما فيما يتعلق بآلهة بلاد العرب الأخرى - فإنا نذكر منها «نسرا» وكان على هيئة نسر، و«عوف» وكان على هيئة طير كبير، و«يغوث» وكان على صورة أسد، و«يعوق» وكان على هيئة فرس وغيرها من الحيوان والطير مما يذكرنا بآثار الطوطمية الأولى.

ولا نستطيع أن نستنتج من ثنايا الأدب القديم الموثوق بصحته - ما يوضح لنا عقيدتهم في الدار الآخرة توضيحا كبيرا، أما ما ورد على ألسنة بعضهم من ذكر للدار الآخرة، فأكبر ظننا أنه كان صدى للمعتقدات المسيحية التي اتصلوا بها.

ونريد أن نذكر في هذا الصدد أيضا - أن العرب قد توافقوا فيما بينهم على أن يجعلوا من بين شهور السنة أربعة أشهر حرم، لا يحل فيها القتال، وكان غرضهم من ذلك أن يتيحوا لذوي الرأي فرصة يصلحون فيها ذات البين، وهذا عدا حرصهم على الاطمئنان على متاجرهم، وعدم تعريض سلعهم للبوار والضياع، وتشبه هذه الشهور الحرم - وهي شهور ذي القعدة وذي الحجة والمحرم ثم رجب الفرد - الهدنة الربانية التي كانت معروفة في أوروبا في العصور الوسطى. وكانت الشهور الثلاثة الأولى تخصص للعبادة، فيذهب الناس فيها من كافة أنحاء الحجاز وغيره إلى مكة، ويقدمون القرابين من إبل وأغنام إلى آلهتهم، أما الشهر الرابع فكان يخصص للتجارة، ولا يخفى أن الحجاز - بوقوعه على طريق التجارة الرئيسي بين الشمال والجنوب - كان يتيح فرصة صالحة للنشاط الديني والنشاط التجاري، وهذا هو السبب الذي من أجله قامت أسواق العرب في الجاهلية، ونخص بالذكر منها عكاظ، التي كان فيها سوق أسبوعية تقوم يوم الأحد للبيع والشراء، وسوق سنوية ينزلون به في أول ذي القعدة ويستمرون عشرين يوما، تجتمع فيها قبائل العرب فيتناشدون الأشعار، ويتعارفون ويتحابون ويفدون أسراهم، ويرفعون مظالمهم إلى من يقوم بأمر الحكومة، ثم يتوجهون منها إلى مكة، فيقفون بعرفة ويقضون مناسك الحج، ثم يرجعون إلى أوطانهم.

ومثل سوق عكاظ أسواق أخرى، كسوق مجنة قرب مكة، وسوق ذي المجار خلف جبل عرفات.

ونريد - قبل أن نختتم كلامنا عن ديانة العرب الوثنية قبل الإسلام - أن نذكر أنه كان هناك أفراد منهم يطلق عليهم الحنيفيون أو الأحناف «أي المنحرفون عن العبادة العامة» لم تكن تلك العبادات التي وصفناها تعجبهم ويرون أن هناك حقيقة غابت عنهم، وأن طرائقهم التي هم عليها لا توصلهم إلى الله، ويقولون في أنفسهم: ما معنى التوسل إلى الله بحجارة لا تضر ولا تنفع؟ ومن أشهر هؤلاء ورقة بن نوفل الذي استحكم في النصرانية، وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو، وعبيد الله بن جحش، وأمية بن أبي الصلت، وقس بن ساعدة الإيادي، وغيرهم ممن ترك عبادة الأوثان، وإن كان لم يعتنق دينا سماويا، ووجود أمثال هؤلاء يدلنا على أنه كانت هناك حركة دينية قبيل البعثة النبوية، تبحث عن دين إبراهيم الحنيف، وتسب الأصنام ولا ترى في عبادتها غذاء روحيا يرضي عقلاء العرب، ولكنها لم تكن حركة منتجة؛ لأنها لم تؤد إلى شيء ما من التغير في عبادة الأوثان، ولا إلى شيء من إصلاح أحوال العرب، ولكنها - دون جدال - عبدت الطريق، وجعلت في بعض الأنفس شيئا من الاستعداد لقبول الإسلام، ويطلق بعض المؤرخين على أولئك الذين ذكرنا اسم الحنفاء.

المسيحية ببلاد العرب

ذكرنا في كلامنا على حضارة بلاد اليمن أخبار المسيحية فيها فارجع إليها، ونذكر هنا أن المسيحية كانت منتشرة في قبائل تغلب وغسان في الشمال، ولسنا في حاجة إلى القول بأن قرب هذه المناطق من أرض البيزنطيين كان من العوامل التي جعلت هذه الديانة تنتشر في تلك الجهات، على أنا لا نعدو الحقيقة إذا قررنا أن المسيحية لم ترسخ أقدامها ولم تجد لها أنصارا بين عرب الشمال؛ لأن مبادئها وما انطوت عليه من حب للسلام لا يتفق مع طبيعة أولئك البدو، وقد يكون من العوامل التي عاقت انتشار المسيحية، أن الأباطرة لم يسعوا سعيا جديا في نشرها؛ كما أن ما كان بين المسيحيين من خلاف وانقسام إلى فرق متناحرة، وما تسلل إلى المسيحية من بعض مظاهر وثنية، وكذلك مقاومة اليهود خفية لها، لما كان بينهم وبين المسيحيين من خصومة - كان من العوامل التي أوقفت تقدمها، وجعلت العرب يؤثرون وثنيتهم عليها، وأشهر مذاهب المسيحية التي اعتنقها العرب مذهبان: مذهب النساطرة وكان شائعا في الحيرة، ومذهب اليعاقبة وكان شائعا في غسان، وغيرها من قبائل العرب الضاربة في صحراء الشام.

اليهودية في بلاد العرب

كانت اليهودية أرسخ قدما في بلاد العرب من المسيحية، وقد ذكرنا في تاريخ بلاد اليمن كيف تهود بعض ملوكهم في أواخر دولة الحميريين، وقلنا: إن تهودهم كان لأغراض سياسية، وهي مقاومة النفوذ البيزنطي، وكراهيتهم للأحباش ، الذين كانوا يعتنقون المسيحية، ونذكر هنا أن اليهودية دخلت بلاد العرب في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد، وقد ذكر المؤرخون العرب - لدخول اليهود إلى بلاد العرب - أسبابا أقرب إلى الخيال منها إلى التاريخ الصحيح، ويكاد يجمع المؤرخون المحدثون على أن اليهود جاءوا إلى جزيرة العرب مهاجرين من فلسطين عندما ضاقت عليهم سبل الرزق فيها، فهاجر فريق منهم إلى العراق، وآخرون إلى مصر، وغيرهم إلى بلاد العرب، ولما قضى الرومان على دولة اليهود، واستولوا على فلسطين، قامت عدة ثورات ضد نفوذ الرومان فيها، أطفأها الرومان بشدة لم يستطع فريق من اليهود صبرا عليها، فخرج من لم يستطع البقاء منهم إلى شبه جزيرة العرب، التي كانت إذ ذاك بعيدة عن خطر الرومان، ولما قامت الحروب اليهودية الرومانية حوالي سنة 70ق.م شتت كثير من اليهود، فانتشروا في أصقاع الأرض - وكانت بلاد العرب بعض الجهات التي ذهبوا إليها [راجع فقرة تاريخ المدينة].

অজানা পৃষ্ঠা