وقد قيل: إن الكلمات هي بذور الأفكار، ولكننا ننسى أن الكلمات أيضا هي بذور الأعمال، فإن ألفاظ الحرية والمساواة والإخاء التي ترددت على أقلام الكتاب الفرنسيين في القرن الثامن عشر كانت بذورا لأفكار وأعمال لما ننته منها حتى الآن، وقد تكهرب العالم سنة 1919 ب «كلمات» ألقاها عليه الرئيس «ولسون» بشأن حقوق الأمم الصغيرة وتقرير المصير.
ونشأت من هذه الكلمات «عصبة الامم». وقس على ذلك.
فقاعدة الثقافة هي اللغة، ولا يمكن بتاتا إيجاد ثقافة راقية بلغة منحطة ولا ثقافة متحركة بلغة جامدة؛ لأن تحرك الثقافة ورقيها يحب أن يستتبعا رقي اللغة وتحركها، أي: تطور ألفاظها القديمة وتلبسها بالمعاني الجديدة، أو اصطناع ألفاظ جديدة أجنبية أو وطنية، ومن هنا هذه الظاهرة التي يوضحها لنا التاريخ، وهي أنه عندما وجدت الأمم الأوروبية أن اللغة اللاتينية التي كانت وسيلتها الثقافية مدة القرون الوسطى قد أصبحت لا تتفاعل مع المجتمع الأوروبي في نهضته الجديدة ولا تسايره تأثرا وتأثيرا عمدت إلى نبذها واتخاذ لغاتها العامية، وهذا أيضا هو تفسير الانقلاب الثقافي الجديد في الصين، إذ إنها بقيت آلاف السنين وهي تعتمد على لغة أو كتابة قديمة حجبت عنها الحضارة العصرية، فلما استقر رأيها على الأخذ بهذه الحضارة عمدت إلى لغتها فاستحدثت منها طرازا جديدا للآراء يتفق وضرورات هذه الحضارة.
ومهما كتبنا فإننا لن نبالغ في قيمة اللغة للأمة، نعني اللغة العصرية التي تقبل التطور وتقدر على الاستيعاب للفنون والعلوم واصطناع الألفاظ الجديدة، اللغة التي لا يجد فيها المفكر حرجا يضيق عليه تفكيره ويضلله باتخاذ ألفاظ لا تؤدي أغراضه، أو تمنعه من أن يتناول بعض الموضوعات العلمية أو الفنية أو الفلسفية لأنه يجد عجزا في اللغة عن أداء معانيها.
الديمقراطية: نظام المجتمع
كلمة الديمقراطية تعني حكم الشعب، أي: إن الشعب يحكم نفسه.
وكان الإغريق القدماء يعرفون الحكم الديمقراطي في المدن فقط، وكانت وقتئذ مدنا صغيرة.
فلما زالت دولة الإغريق لم نعد نجد هذا الحكم الديمقراطي إلا منذ مئة سنة أو أقل في أوروبا وأمريكا؛ وذلك لظروف يسهل إيضاحها، فإن الشعب الذي يحكم نفسه يحتاج إلى أن يكون كله، أو على الأقل الناخبون فيه، متعلمين، وإذا عرفنا أن التعليم لم يصر إلزاميا في إنجلترا مثلا إلا في 1870 فإننا نستطيع أن نفهم أن كلمة الديمقراطية كانت من الكلمات التي تدل على معنى المستقبل وليس الحاضر الراهن، أي: إنها كانت أملا يرجى حين يعم التعليم، ولكننا في الوقت الحاضر نذكر هذا النظام في الحكومة وليس بمعناه الكامل المرجو، ولكن بما وصل إليه من الاقتراب من هذا المعنى الكامل المرجو.
ففي سويسرا نجد الديمقراطية على أعلاها في الأمم الغربية، ولا يستطيع سويسرى أن يعقل أن أحد زعماء وطنه يمكنه إيجاد نظام نازي أو فاشي؛ لأن هذا النظام يفرض طغيان طبقة تزعم أنها ممتازة على الشعب في الكفاية والأمانة للحكم، وهذا مالا يفهمه السويسريون؛ لأنهم كلهم سواء في التعليم، وعلى مقدار حسن من الرخاء، ولهم حريات مكفولة بالدستور، بل مكفولة بما هو فوق الدستور، وهو الإحساس العام بالحقوق والواجبات. •••
كان الحكم في العصور القديمة ملكيا، بل كان الملك عند المصريين والرومان بعد الآلهة، ولما جاء الإسكندر المقدوني إلى مصر في القرن الرابع قبل الميلاد، جعله الكهنة ابنا للرب آمون، وواضح أنه حين يكون الملك إلها فإن الشعب لا يمكن أن يكون شيئا، بل إن الثورة على الملك عندئذ تعد كفرا وإلحادا.
অজানা পৃষ্ঠা