واعتقادي أننا نحن الغرباء عن هذه الحضارة، وعن هذه الثقافة الأوروبيين، أقدر على فهمهما؛ لأننا نستطيع المقارنة.
ولقد قرأت كتابا للزعيم «الروحي» للفاشية أو النازية الألمانية في هذا الموضوع، وهو «هوستون ستيوارت تشمبرلين» الذي يقول: إن هناك ثلاثة أسس لأوروبا العصرية، وهي: منطق الإغريق أو فلسفتهم، ثم نظام الرومان أي: القوانين الرومانية، وأخيرا التراث المسيحي الأخلاقي.
ولست أنكر أن لأوروبا شيئا من هذه التقاليد، وأن لها بعض الأثر في توجيهها، ولكن هذا الأثر ضعيف جدا، وقد انتهى المؤلف بعد أن شرح هذه الأسس الثلاثة إلى أن التعصب العنصري ضروري لأوروبا، وأعجب الإمبراطور فيلهلم بهذا الكتاب، واشترى آلاف النسخ منه، ووزعه بالمجان على موظفي الحكومة الألمانية، والتعصب العنصري هو في النهاية، سيادة الألمان على جميع البشر.
وكان «هتلر» لذلك من المعجبين به أيضا، وقد عمل به. ولقى النتيجة المحتومة لهذا المذهب، وهي تألب الدنيا عليه.
واعتقادي أن تشمبرلين وهتلر كانا من أبعد الناس عن فهم الروح الأوروبي العنصري: روح الحرية والمساواة والدستور، والنظر الموضوعي، أي: العلمي، للدنيا ناسا وأشياء.
وأنا أفهم شيئا واحدا، واحدا ليس له ثان، هو أن الأوروبيين سادوا في الماضي، ويسودون في الحاضر؛ لأنهم قد أخذوا بالصناعات الآلية.
جعلوا الآلات تعمل بدلا من الأيدي. والحديد والنار يعملان بدلا من القوة البشرية.
وكل ما نعرفه من الأخلاق الأوروبية والعلوم الأوروبية والحرية والمساواة والدستور، هذه كلها هي ثمرات هذا الوسط الصناعي الجديد الذي لا يزيد تاريخه على مئة وسبعين سنة.
كانت أوروبا إلى سنة 1780 زراعية مثلنا، متأخرة مثلنا.
ليس للمرأة فيها حقوق وليس للعامل فيها رأي، بل ليس له عقل غير هذا العقل الزراعي الذي يستسلم للخرافات، وكانت فقيرة مثلنا، بل كان كثير من عمالها الزراعيين «عبيدا» يعملون مكرهين في النظم الإقطاعية السائدة وقتئذ.
অজানা পৃষ্ঠা