وكذلك التفت إلى ضرورة ايجاد لغة خاصة للتفكير بحيث لا تتحمل كلماتها التباسات اللغة الدارجة بين العامة أو بين الكتاب، وهذا هو ما انتهى إليه العلميون في أوروبا، إذ إنهم يتخذون كلمات خاصة للعلوم يتعارفون عليها مهما اختلفت لغات الكلام بينهم، بل هذا ما نحتاج إليه في مصر حيث نجد مشقة كبيرة في استقطار معنى علمي من كلمات مشتبهات، كقولنا: الشعور بمعنى الاحساس، والكبت بمعنى الكظم الخ.
وفى كتابه هذا نصح بيكون أيضا أن نتجرد من أهوائنا واستغراضاتنا.
وأخيرا نصح بأن تتلخص الفلسفة من الدين حتى تنطلق حرة بلا عائق من العقائد. •••
ولم يكن بيكون مع ذلك مكتشفا أو مخترعا، ولم يكن له معمل للاختبار والتجربة؛ لأن مهمته لم تكن مهمة الاكتشاف أو الاختراع، وإنما كانت مهمة وضع الخطط ورسم المناهج للوصول إلى الاكتشاف والاختراع.
وذلك بأن لا نبحث العلم من حيث إنه دراسة الكرسي والمكتبة والتأمل والفلسفة، وإنما ندرس العلم بحيث نقصد منه إلى نتيجة عملية في الصناعة؛ لأننا بالصناعة نزيد الثراء والرفاهية للبشر؛ ولذلك يقول: «إن الحقائق تكشف وتعرف بما تؤدي إليه من عمل وليس لأنها تتفق مع المنطق، وقولنا هذا يعني في النهاية أن تحسن حظ الإنسان، وتحسين عقل الإنسان كلاهما شيء واحد».
ومعنى هذا أن معارفنا لا قيمة لها إلا من حيث إننا ننتفع بها في الرقي البشري؛ ولذلك حمل على فلاسفة الإغريق لأنهم استخدموا عقولهم للتفكير المجرد وليس للاختراع والاكتشاف، فهو يقول عن «أرسطوطاليس» إنه «سوفسطائي متعوس، وكتابه في المنطق هو كتاب في الجنون، وغيبياته هي نسيج العنكبوت الذي يبنيه على أساس واه».
ويقول عن «أفلاطون»: إنه «مفكر غيبي أبله زائف».
ولسنا نجد هنا أكثر من النزعة والاتجاه اللذين يلخصان في قولنا: «دعونا من القدماء، دعونا من التفكير في المكتبة بين الكتب، واخرجوا إلى الورشة والمصنع، وإلى الطبيعة، جربوا واخترعوا، استخدموا ما تعرفونه في زيادة الخير والرفاهية للبشر».
داعية الشك الفلسفي
نستطيع أن نقول إن «فرنسيس بيكون» الإنجليزي قد وضع المنهج للتفكير العلمي بالإكبار من شأن التجربة، أما «ديكارت» الفرنسي (1596-1650) فقد وضع المنهج للتفكير الفلسفي بالإكبار من شأن الشك، حتى لا نسلم بشيء إلا بعد أن نعالجه كما لو كان مسألة أو نظرية من نظريات «إقليدس».
অজানা পৃষ্ঠা