وهو يتحدث في هذا الكتاب إلى الشباب يدعوهم إلى أن يثقوا بأنفسهم، وإلى أن يؤمنوا بأنهم ليسوا أقل شأنا من شباب أوروبا، وأن يعرفوا أنه كان لأجدادهم العرب فضل على بلاد الحضارة الحديثة في أوروبا (وفي أمريكا ربيبتها)، وأنهم في الواقع شركاء في هذه الحضارة الحديثة؛ لأنها نابعة من حضارة البحر الأبيض المتوسط التي كان للمصريين والعرب فيها مشاركة بعيدة الأثر. وهو ينبه إلى أنه على شواطئ هذا البحر تقع مصر ولبنان وسوريا، وتقع ليبيا والجزائر والمغرب وتونس، وحضارة هذا البحر لا تقف عند حافته، إن حضارة دمشق وبغداد أيضا تعد جزءا من حضارة البحر الأبيض المتوسط، والخرطوم وشنقيط
7
أيضا تعد جزءا من حضارة البحر الأبيض المتوسط.
يقول المؤلف: «إن على الجيل العربي الحاضر أن يبني الآن على أساس تراثه الشرعي، بعد نفض الغبار عنه، مستفيدا في الوقت نفسه بثمار الحضارة والثقافة المعاصرة، ويجب أن ترفض هذه الدعوى الباطلة التي تقول إن أهل الحضارة الحديثة غربيون وإننا شرقيون، وإنه لا لقاء بين الغرب والشرق؛ فنحن لسنا شرقيين إذا كانت كلمة الشرق تعني الصين والهند واليابان، إن ما يسمى بالغرب الحضاري والثقافي ليس إلا امتدادا وتطورا لحضارة كان آباؤنا شركاء في صنعها.»
وينبه طه حسين في كتاب «مستقبل الثقافة في مصر» إلى ترابط الشعوب العربية وتضامنها، وإلى أنه من الواجب على مصر، التي استقلت بنفسها وبإرادتها، أن تمد يد المعاونة لمن حولها من البلاد العربية. يقول: «إن الحجاز مثلا محتاج إلى مدارس لم يكن يستطيع بموارده المحدودة - في ذلك الوقت - أن يقيمها، فعلينا أن نساعده وأن نقدم له ما يحتاج إليه من العون ومن يحتاج إليهم من الأساتذة. وبلاد شمال أفريقيا لا تستطيع، لوجود الاحتلال الفرنسي، أن تبني المدارس العربية، فعلينا أن نبنيها لها»، يقول: «يجب إفهام حكومة فرنسا أن لها في بلادنا مدارس هي مدارس «الليسية»، فإذا لم تسمح لنا بإنشاء المدارس في البلاد العربية التي تقع حاليا تحت حكمها، فإن لنا بل إن علينا أن نغلق مدارسها الفرنسية في مصر.» •••
وفي المنيا، يزعم بعض الناس لوالد طه حسين أن ابنه قد كتب كتابا يقول فيه:
إننا لسنا شرقيين - يعني لسنا عربا - بل نحن غربيون. والشيخ حسين يقول لمحدثه إن هذا كلام غير دقيق، فهذا كتاب طه بين يدي. ويعطي كتاب «مستقبل الثقافة في مصر» لمن يقرأ فيه الصفحة التي يدله عليها، فيقرأ القارئ حلم المؤلف بأنه يرى «شجرة الثقافة المصرية باسقة قد نبتت أصولها في أرض مصر، وارتفعت أذرعها في سماء مصر، وامتدت أغصانها في كل وجه، فأظلت ما حول مصر من البلاد وحملت إلى أهلها ثمرات حلوة، فيها ذكاء للقلوب وغذاء للعقول وقوة للأرواح.
ويقول الشيخ حسين : «يعني شجرة العلم عندنا لا بد أن تظلل كل ما حولنا من البلاد، يعني البلاد العربية شرقا وغربا وجنوبا، وما تثمره الشجرة من الثمار يجب أن تشرك مصر فيه الأهل والجيران العرب!»
ويتابع القارئ القراءة: إن الدكتور طه حسين يرى في هذا الحلم مصر «وقد انجاب عنها الجهل، وأظلها العلم والمعرفة، وشملت الثقافة أهلها جميعا، فأخذ بحظه منها الغني والفقير، القوي والضعيف، النابه والخامل، الناشئ ومن تقدمت به السن، وتغلغلت لذاتها حتى بلغت أعماق النفوس، وانتشر نورها حتى أضاء القصور والأكواخ.»
ويقول الشيخ حسين: «يعني أنه يدافع عنا، عني وعنك، يدافع عن الفقير والضعيف والخامل والعجوز!»
অজানা পৃষ্ঠা