وقالت الأم: أتأتي بي في الظلام لهذا؟! الله يخيبك يا عزام يا ابن بطني!
قال عزام مرة أخرى: يا نينا اعتبريها جنونة وقامت بدماغي.
وقال الأب في تؤدة: ثم أنت الآن داخل على امتحان الليسانس. فلماذا لا تنتظر حتى تأخذ الشهادة؟
وقال عزام في حسم: أنت تعرف أنني سآخذها. - وهل تريد أن أخطبها لك الآن أم أنتظر حتى الصباح؟ - هذا إليك. - الأمر سيان.
ومد يده إلى التليفون وطلب أخاه في الزقازيق وصاح: عزت! - خير يا أخويا الحاج، هل هناك شيء؟ - أنت نمت؟ - أنا داخل من النادي الآن فقط. - طيب اسمع يا سيدي.
وروى له ما صنع عزام. وتمت الخطبة. •••
حين عاد عزام إلى القاهرة اشترى هدية ثمينة بخمسين جنيها وذهب إلى بيت نرمين في وقت كان واثقا أنه لن يجدها فيه. وفتح الباب بالمفتاح الذي معه، وترك الهدية في مكان لا تخطئه العين في البهو، ومع الهدية المفتاح، ولم يكتب شيئا. وحين عادت نرمين ووجدت الهدية والمفتاح عرفت كل شيء، وأدركت أن مشاعرها يوم تركها لم تخادعها. •••
منذ ذلك الحين البعيد وعزام يحن إلى تلك الأيام غير البريئة، ويحس بها تدغدغ في حواسه، ويحس في نفسه شوقا إليها تواقا إلى مرحها. حتى إذا جلس على كرسي النيابة الذي أصبح كرسي القضاء أصبح عزام الذي يعرفه الناس، ولا يعرفون عنه إلا البعد كل البعد عن موطن الشبهات.
كان إنسانين في إنسان، ونفسين في نفس، وقلبين في قلب، وضميرين في ضمير. ضمير يهون عليه اللهو والمتعة حتى وإن تبعها سكوت على الباطل ورضا بالخطيئة على أي لون لها. وضمير هو الأصيل فيه، طريقه الحق، وسبيله أني أخاف الله رب العالمين.
وكانت آراؤه في كل شيء تنشد المثل الأعلى، ولكنه كان يغفر في نفسه لمن يحيد عنها حتى وإن حكم عليه بأحكام القانون. فالإنسان فيه يعرف ضعف الإنسان ويرحمه ويغفر له. والقاضي فيه يعرف حق القانون ويستقر في نفسه في ثقة تقترب من ثقة الإيمان بالله أن العالم بغير قانون فوضى، الغابة خير منه. فالغابة - وهي الغابة - لها قانون، أما إذا غفا القانون في دولة أو ناله مساس من استهانة فالحياة كلها ضياع.
অজানা পৃষ্ঠা