লুঘজ সিস্তার
لغز عشتار: الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة
জনগুলি
هذه البقية الباقية، في التصورات الأسطورية الذكرية، ما زالت تحمل خطوطا واضحة من صورة عشتار القديمة كروح للقمح والحبوب والإنبات. فروح القمح في هذه التصورات هي إلهة القمح وقد خرجت من الطبيعة لتمارس سيادتها عليها كما يفعل الآلهة الذكور. وليس اكتشاف ديمتر لزراعة القمح ونقلها للبشر إلا إشارة إلى كونها هي نفسها روح القمح القديمة. وشقرة شعر الإلهة هي شقرة السنبلة الأولى التي حلت بها روح القمر وتطابقت معها. أما قيام ديمتر بنقل أسباب العلوم والحضارة إلى الملوك الأوائل، فإنه إقرار تاريخي من جانب الأسطورة بأن زراعة القمح كانت الخطوة الحاسمة نحو الاستقرار والحضارة. ومن ناحية أخرى فإن عزوف ديمتر عن الرجال وبقاءها على الدوام دون زوج، شأنها في ذلك شأن أرتميس، إنما يعكس الصورة القديمة للأم الكبرى المتوحدة. فالشاب الوحيد الذي أحبته قتل في وقت مبكر وقبل أن يتحول إلى زوج؛ وذلك إصرارا من الأسطورة الأمومية على بقاء عشتار إلهة متوحدة. ورغم المداخلات الذكرية في الأسطورة؛ فقد حاولت الانتقاص من قدر ديمتر بأن جعلت آلهة الأوليمب ينالونها واحدا بعد آخر، إلا أن الأسطورة الأمومية الصافية تعود إلى الظهور في رواية ديمتر وابنتها بيرسفوني، حيث نرى الأم الكبرى، مجددا، كسيدة عظمى ذات سطوة وجبروت، يخشاها كل الآلهة بمن فيهم كبيرهم زيوس.
كانت بيرسفوني تجمع الأزهار في البرية، عندما انشقت الأرض وظهرت عربة الإله هاديس إله العالم الأسفل، الذي اختطفها ومضى بها إلى غياهب الظلمات. سمعت ديمتر صرخات الاستغاثة التي ملأت أرجاء الأرض، وهرعت لنجدة ابنتها، ولكن الأرض كانت قد التأمت وضاع كل أثر يدل على الحادث. اتشحت الإلهة بالسواد وراحت تجوب أصقاع الأرض بحثا عن ابنتها وقد أضاءت الكون مشاعلها الملتهبة، ولكن من غير طائل. وعندما نال منها اليأس، أشارت عليها الإلهة هيقات أن تستخير نبوءة الإله هليوس، الذي كشف لها سر اختفاء ابنتها، وأخبرها بأن هاديس قد حملها إلى العالم الأسفل لتكون زوجته وملكة على الأموات. عند ذلك قررت ديمتر الانتقام من الآلهة جميعا لسماحهم بما حدث، فمنعت قواها الإخصابية عن الأرض التي تحولت إلى حقول مالحة لا تنبت ولا تزهر ، وهددت المجاعة كل الأحياء على وجه البسيطة. اضطرب الآلهة لما حصل، وجاءوا إلى ديمتر واحدا إثر آخر بمن فيهم كبيرهم زيوس، يرجونها أن ترفع لعنتها عن الأرض، ولكنها اشترطت أن تعود إليها ابنتها أولا. ولما يئسوا من إقناعها، أمر زيوس الإله هرمز أن يمضي إلى هاديس فيبلغه رغبة كبير الآلهة في رجوع بيرسفوني إلى أمها. نزل هاديس عند رغبة زيوس وأطلق بيرسفوني، ولكنه أعطاها قبل ذهابها طعاما يعيدها إلى العالم الأسفل بعد خروجها. فرحت ديمتر بلقاء بيرسفوني، ولكن فرحتها لم تدم؛ لأنها عرفت بأمر الطعام، وامتنعت عن تنفيذ اتفاقها مع الآلهة، ثم وافق الجميع على أن تقضي بيرسفوني ثلث السنة مع زوجها في العالم الأسفل، وثلثيها مع أمها في العالم الأعلى. عند ذلك أعطت ديمتر أوامرها للطبيعة، فأورقت الأشجار وازدهرت وملأت الخضرة سطح الأرض. إلا أن ذلك لن يدوم طويلا، فما إن يحين موعد عودة بيرسفوني إلى عالم هاديس، حتى تيبس الأشجار مرة أخرى وتصفر النباتات ويكفهر وجه الأرض؛ مشاركة للأم في حزنها الجديد.
18
تبدو ديمتر وفق المنطوق الشكلي لهذه الأسطورة سيدة للحياة الطبيعية، تأمرها فتنصاع لأمرها، تماما كما يفعل آلهة الأوليمب الذكور الذين تحرروا من إسار الطبيعة وارتقوا إلى أعالي السماء. ويجري تفسير دورة الحياة النباتية بحزن الإلهة السنوي على ابنتها الغائبة وفرحها من ثم بلقائها من جديد. إلا أن المستوى الثاني لفهم هذه الأسطورة يقودنا إلى الاعتقاد بأن بيرسفوني هي روح النبات التي تهبط إلى العالم الأسفل جزءا من السنة، وتعود إلى العالم الأعلى في جزء السنة الآخر، فتغيب معها الحياة النباتية عن وجه الأرض ثم تنتعش بعودتها. يجد هذا التفسير دعما له في طقوس ديمتر المشهورة التي كانت تقام في معبدها الرئيسي في إيلوسيس، حيث كانت تتلى وتمثل قصة اختطاف بيرسفوني وعودتها إلى أمها. ففي تلك الطقوس كان المحتفلون يرفعون باقات القمح رمزا للولادة الجديدة للإلهة الغائبة. وهنا نجد أنفسنا أمام لغز محير. فإذا كانت بيرسفوني هي روح الإنبات وأم الطبيعة التي تعكس دورة حياتها السنوية دورة الحياة الزراعية، فمن هي إذن الأم؟ وما علاقتها بالابنة؟
إذا نزلنا إلى المستوى الثالث الأعمق لفهم هذه الأسطورة، لوجدنا أنفسنا وجها لوجه أمام الأسطورة الأصلية الصافية، حيث لا وجود لأم وابنتها، بل لعشتار المتوحدة التي تلعب ديمتر وبيرسفوني دوريها المتناقضين المتكاملين في آن معا؛ فعشتار في دورها الأعلى كروح النبات هي ديمتر، وفي دورها الأسفل كسيدة لعالم الظلمات هي بيرسفوني، زوجة الموت هاديس. تنحل ديمتر إلى بيرسفوني عندما تهبط إلى العالم الأسفل، وتتحول بيرسفوني إلى ديمتر عندما تصعد إلى العالم الأعلى، في جدلية دائمة ما دامت دورة الطبيعة قائمة. وليس أكل بيرسفوني من النبات السحري الذي يعيدها إلى الموت كلما ارتدت إلى الحياة، سوى إشارة من المستوى الأول للتفسير، على الحقيقة الكامنة في المستوى الثالث. فالإلهتان أقنومان في واحد وتجليان لنفس الجوهر. كلما تحولت ديمتر إلى بيرسفوني تحولت بيرسفوني إلى ديمتر، تماما كما يتحول قمح السنة الماضية الذي هبط إلى باطن الأرض إلى قمح السنة الجديدة الذي يخرج من الأرض. إن ديمتر هي قمح السنة الماضية، وبيرسفوني هي قمح السنة الجديدة، الذي سيغدو بدوره قمح السنة الماضية في العالم المقبل.
إن العمل الفني التشكيلي الذي اعتبرناه دوما أصدق من الكلمة المنطوقة أو المكتوبة في شرح المستوى الباطني للأسطورة، يلعب دورا حاسما في دعم تفسيرنا الثالث. ففي كل الرسوم والمنحوتات البارزة التي تظهر ديمتر وبيرسفوني، لا يستطيع الناظر أن يميز بين الأم والابنة المتقابلتين على الدوام، لتطابقهما في كل شيء فيما عدا الشارات المميزة لكل منهما؛ فديمتر في معظم الأعمال التي تجمعها من بيرسفوني تحمل في يدها الفاكهة الناضجة. أما بيرسفوني فتحمل في يدها الأزهار. الموسم القديم والموسم الجديد في مقابل بعضهما البعض. تتحول الزهرة إلى ثمرة، والثمرة تموت للتتحول إلى زهرة. ومن الشارات المميزة لكلتا الإلهتين أيضا باقة القمح والمشعل، حيث تحمل ديمتر باقة القمح وتحمل بيرسفوني المشعل. لكنهما في الأعمال التي تمثلها كل على حدة، قد تتبادلان الشارات، فنرى ديمتر ومعها الشعلة وبيرسفوني ومعها باقة القمح. في الشكل رقم (
4-8 ) تظهر الإلهتان وبينهما الشاب تريبتوليموس الذي عهدت إليه ديمتر بمهمة نشر القمح في جميع أرجاء العالم. تقوم ديمتر بتسليم الشاب باقة القمح الأولى، ومن خلفه تقف بيرسفوني مقابل أمها وقد أمسكت بيديها مشعلين، رمز النار المخصبة.
يظهر موضوع الأم والابنة، قمح السنة الماضية وقمح السنة الجديدة، في عمل فني بابلي من أواسط الألف الثالث قبل الميلاد؛ أي قبل قرابة ألفي سنة من تدوين نص أسطورة ديمتر وبيرسفوني في أشعار هوميروس. ففي الشكل رقم (
4-9 ) نجد عشتار كروح للقمح جالسة على مقعد ملتحم بالأرض ممتزج معها، من كتفيها تنبعث سنابل القمح وعلى رأسها تنتصب حية ذات رأسين على هيئة قرنين، ومن خلفها إلهة أخرى أصغر حجما ولكنها تتطابق معها في كل شيء، تطلع من هوة فوق مرتفع صغير يبدو وكأنه يرتفع بها تدريجيا، وقد انبعثت السنابل من كل أجزاء جسدها. لم يوجد في بلاد الرافدين أي نصب مكتوب يحكي قصة هذا العمل التشكيلي المحمل بالرموز، ولكنه يبدو واضحا كل الوضوح على ضوء تفسيرنا لأسطورة ديمتر وبيرسفوني. فهو بلا شك يحكي أسطورة مشابهة لم تسجل نصوصها بسبب اقتحام الذكر مسرح الأسطورة. والأسطورتان، في تفسيرنا، ترجعان إلى أصل مشترك واحد، إلى الأسطورة النيوليتية الأم.
شكل 4-8: ديمتر وبيرسفوني - رسم إغريقي على الخزف.
অজানা পৃষ্ঠা