١٠- ثم انظر كيف طلب مهلة قصيرة لإصلاح حاله، مع أنه كان يتقلب في الأرض من دون أدنى تفكير أو اهتمام بمآله في الآخرة أو بالأوقات التي يضيعها هدرًا من دون اكتراث، فقال: ﴿إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾، ولم يقل: (إلى أجل) فيحتمل القريب والبعيد، فطلب مهلة قصيرة وأجلًا قريبًا لتداركِ ما فات.
فانظر كيف جاء بالفاء الدالة على قصر الزمن بين إتيانِ الموت وطلب التأخير، وحذف (يا) النداء اختصارًا للزمن ليفرغ إلى طلبه، وجاء بـ (لولا) الدالة على الإلحاح في الطلب، كل ذلك ليحصلَ على مهلةٍ قليلة ليصلح شأنه. فانظر أية إشارات هذه إلى هَولِ ما هو فيه؟
وقد تقول: ولمَ قال ههنا: ﴿أخرتنيا﴾ بالياء وقال في سورة الإسراء: ﴿أَخَّرْتَنِ﴾ فحذف الياء واجتزأ بالكسرة؟
والجواب: أن المقام يوضح ذلك.
فقد قال في سورة الإسراء على لسان إبليس: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هاذا الذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إلى يَوْمِ القيامة لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٦٢] .
وقال ههنا: ﴿لولا أخرتني إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصالحين﴾ .
وهنا نسأل: أيّ الطلبين يريده المتكلِّمُ لنفسه على وجه الحقيقة، وأيهما يعودُ بالنفع عليها ودفع الضرر عنها أهُوَ قولُه: ﴿لولا أخرتني إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصالحين﴾ أم قوله: ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إلى يَوْمِ القيامة لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلًا﴾؟
والجواب ظاهر. فإنَّ طلبَ إبليس لا يريدهُ من أجل نفسه، ولا لأنه محتاجٌ إليه، وإنما يريده ليُضِلَّ ذريةَ آدم. ثم إن هذا الطلب لا يعود عليه