Let's Call to Islam
هكذا فلندع إلى الإسلام
জনগুলি
ولا يتحقق ذلك إلا بأن يضحي بحظوظه النفسية لمصالحه الدنيوية في سبيل تحقيق الخير لهم جميعًا.
فإن صعب عليك فهم هذا المنطلق أو التحقق به، فارجع الى هذا الدين الذي هدى الله إليه عباده والزمهم به، وتأمل في حقيقته وسر هداية الله عباده إليه وأمرهم به، هل تجد من وراء تلك الحقيقة وهذا السر إلا رحمة الله تعالى بهم؟ ..وانظر - كما يقول العزا بن عبد السلام - إلى كل نداءات الله تعالى لعباده في كلامه المنزل إليهم، هل تجد في أعقاب كل منها إلا أمرًا بما فيه مصلحتهم أو نهيًا عما فيه مفسدتهم؟.. ثم انظر إلى إرسال الرسل والأنبياء إليهم، يخاطب عباده ويعرفهم الى ذاته عن طريقهم، هل تجد فيه إلا أوضح برهان على تكريم الله تعالى لهم ورحمته بهم. أو ليس هو القائل عن رسوله محمد ﷺ: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، ولاقائل: وربك الغني ذو الرحمة، والقائل: ورحمتي وسعت كل شيء؟..
فأن بقيت في نفسك من ذلك شبهة فاجع إلى حياة سيدنا محمد ﷺ، فتأمل مدى رحمته بالناس جميعًا، وانظر الى هديه في ذلك وإرشاده الناس إلى هذه الحقيقة.
أو ما سمعت قوله: (الراحمون يرحمهم الرحمان ﵎، إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) (١) [٥] أو ما علمت أن بعض أصحابه قالوا له في بعض الغزوات عن المشركين: لو لعنتهم يا رسول الله، فقال: إنما بعثت رحمة، ولم أبعث لعانًا (٢) [٦] . ولقد صح عنه ﷺ أنه لم يطلب منه الدعاء على أحد من الناس مسلمًا كان أو كافرًا، عمومًا أو خصوصًا، إلا وعدل عن الدعاء عليه إلى الدعاء له بالرحمة والمغفرة والهداية.
حاصر الطائف أكثر من عشرين يومًا، فلما استعصت على المسلمين أمر النبي ﷺ اصحابه بالرحيل، فقال له قائل منهم: يا رسول الله ادع الله على ثقيف - أي على أهل الطائف - فرفع رسول الله يديه قائلًا: اللهم اهد ثقيفًا وائت بهم مسلمين. وقد علمت أن ثقيفًا هذه هي التي طردته عندما هاجر اليها والقت به من الضر والاذى ما لم يبلغة احد من المشركين في إيذائه ﷺ (٣) [٧] .
وقيل له يا رسول الله: أن دوسًا قد كفرت وأبت، فادع عليهم، فقال: اللهم اهد دوسًا وائت بهم مؤمنين.
وعندما فتحت له مكة، ودان له أهلها، دخلها خاضعًا ذليلًا لله ﷿، قد نكس رأسه وأطرقه شكرًا له ﷿، وحجزًا لحظوظ النفس أن تتسلل إلى مشاعره وقلبه. ثم وقف عند الكعبة يخطب في جموع المشركين، وهم الذين طالما آذوه ثم ائتمروا به أن يقتلوه، فقال لهم: ما تظنون أنني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن اخ كريم!..فقال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء!..
فإن قلت: إن صح أن مبعث الدعوة إلى الله هي الرحمة بعباده أن لا يضلوا عن الحق والشفقة عليهم ألا يقعوا في أسباب الشقوة، فلماذا شرع قتال الكافرين إذا اقتضى الأمر ذلك؟
فالجواب: أن الأصل في الدعوة إلى الله أن تكون سلمًا بالنصيحة والموعظة الحسنة من منطلق الرحمة والشفقة الصافيين، فالأصل، كما يقول الفقهاء هو السلّم، والحرب خلاف الأصل. وإذا سارت الدعوة إلى الله من هذا المنطلق، فلن يقف في وجهها إلا أولوا المصالح الدنيوية والرعونات النفسية، كي لا يقضي الإسلام على مصالحهم ولكي لا يحرموا من زعاماتهم، ولكي تظل لهم عروشهم. ولكي تبقى أزمت الناس في أيديهم، يقودونهم كما يشاؤون، ويستغلونهم كما يريدون. نلاحظ هذا جيدًا من خلال نصوص الكتب التي أرسلها النبي ﷺ إلى ملوك العالم ورؤساء الشعوب، كما تلاحظه من خلال دراسة قصة الفتح الإسلامي في بلاد فارس والروم وغيرهما.
فالرحمة بالناس، هي ذاتها التي تستلزم - عند الضرورة - الاستعانة بالقتال. وأيًا كان الأمر، فإن القتال الذي شرعه الله ﷿، عند الحاجة إليه، لا يمكن أن ينبثق عن ضغينة أو حقد يفيض به القلب، بل هي القسوة التي تقتضيها سياسة التأديب التي لا بد منها في بعض الأحيان، وهي كما قال الشاعر.
فقسا ليزدجروا ومن يك راحمًا***فيليقس أحيانًا على من يرحم
وحيث الجهاد وحكمته والأسباب الباعثة عليه، حديث طويل، لا يتسع له ما نحن بصدده، فارجع إلى تفصيل ذلك في أماكنه.
ولعلك تقول: ولكن كيف يتفق أخذ النفس بالشفقة والرحمة لسائر عباد الله إلى جانب الحب في الله.
وقد روى الإمام أحمد من حديث البراء بن عازب عن النبي ﷺ أنه قال: أوثق عرى الإيمان بالله الحب في الله والبغض في الله.
فالجواب، انه لا يوجد أي تعارض بين الشعور بالشفقة والرحمة لمراتب الأوزار والعاصين ولا شعور ببغضه لله ﷿ في الوقت ذاته، إلا بالنسبة لمن التبس عليه معنى البغض في الله مع البغض استجابة للنفس وأهوائها.
_________
(١) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم في مستدركه.
(٢) أخرجه مسلم من حديث ابي هريرة.
(٣) اخرجه الترمذي في سننه، ورواه ابن سعد في الطبقات عن عاصم الكلابي عن الأشهب عن الحسن.
1 / 9