بيان حال المؤمنين والمنافقين في غزوة الأحزاب
هذه الشدائد يظهر بها نفاق المنافقين، كما يظهر بها صدق المؤمنين، قال ﷿: ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾ [الأحزاب:١٠].
فهذا نظر قاصر منهم، لا يرون إلا تحت أرجلهم، ولا ينظرون إلى السماء، ولا يُعلّقون قلوبهم برب الأرض والسماء، ولا يعلمون أن النصر من عند الله، ولا يثقون بوعد الله ﷿ للمؤمنين.
قالوا: ﴿مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الأحزاب:١٢] كيف يعدنا محمد ﷺ بكنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يستطيع أن يقضي حاجته، ولا يستطيع أن يذهب إلى الخلاء وحده لشدة الخوف والبرد والجوع.
يروي لنا حذيفة كيف كان حال الصحابة ﵃ في غزوة الأحزاب.
قال بعض التابعين: لو حضرنا رسول الله ﷺ لقاتلنا معه وأبلينا.
قال: (أنتم كنتم تفعلون ذلك، لقد كنا مع رسول الله ﵌ ليلة الأحزاب في برد شديد وريح وقر وخوف، وقال النبي ﷺ: من رجل يذهب يأتينا بخبر القوم جعله الله ﷿ معي يوم القيامة؟) الجائزة عظيمة أن يكون رفيقًا للنبي ﷺ خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والآخرين، والصحابة كانوا أحرص الناس على الخير، كانوا يسابقون في الخيرات ويسارعون إليها، ولكن الفتنة شديدة، برد شديد وريح شديدة وخوف وجوع، قال: (فما قام منا أحد، فصلى النبي ﷺ هويًا من الليل.
ثم قال: من رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله ﷿ معي في الجنة؟ قال: فما قام منا أحد، فصلى النبي ﵌ هويًا من الليل، ثم قال: من رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله ﷿ معي في الجنة؟ قال: فما قام منا أحد.
قال: قم يا حذيفة! فما كان لي بد من القيام حين دعاني رسول الله ﷺ، فقال: اذهب فأتني بخبر القوم، ولا تُذعرهم عليّ.
قال: فخرجت كأني أمشي في حمام) لما كان في مهمة النبي ﵌ ذهب البرد وذهبت الريح الشديدة، وكأنه يمشي في حمام ساخن.
قال: (فدخلت في القوم وإذا الريح وجنود الله ﷿ تفعل بهم ما تفعل، لا تُبقي لهم نارًا ولا قدرًا ولا شيء، وإذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار.
قال: فوضعت السهم في كبد القوس ولو شئت أن أرميه لرميته، ولكني تذكّرت عهد رسول الله ﷺ: لا تُذعرهم عليّ.
قال: فعدت إلى النبي ﷺ فعاد القر-أي: البرد الشديد- وأخبرته بخبر القوم).
أي: لما انتهى من مهمته عاد إليه البرد مرة ثانية، فوضعه النبي ﷺ في فضل عباءة عليه، فنام فلما كان الصباح قال: قم يا نومان!
4 / 5