دروس في العقيدة - الراجحي
دروس في العقيدة - الراجحي
জনগুলি
إنفاذ الوعيد
الأصل الرابع من أصول المعتزلة: إنفاذ الوعيد، وستروا تحته معنى باطلًا، وهو القول بخلود العصاة في النار، أي: خلود أهل الكبائر في النار وعدم خروجهم منها أبدًا، واستدلوا -أيضًا- بنصوص الوعيد التي فيها الوعيد لبعض العصاة، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء:١٠]، وقوله: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء:٩٣]، وغير هذه من النصوص، وقالوا: هذه النصوص تدل على أن العصاة يخلدون في النار مثل الكفار! وأنكروا النصوص التي فيها الشفاعة للعصاة وأنهم يخرجون من النار، مع أنها متواترة.
ويرد على المعتزلة في هذين الأصلين -الثالث والرابع- بالأحاديث المتواترة في خروج عصاة الموحدين من النار، وأنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، كحديث: (أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان).
فالنبي ﷺ هنا أثبت للعاصي الإيمان، فدل على أنه لم يخرج من الإيمان، بخلاف قولهم بخروجه من الإيمان.
ودل الحديث -أيضاَ- على أنهم يخرجون من النار فلا يخلدون فيها، فبطل قولهم بإنفاذ الوعيد وأن العصاة يخلدون في النار.
فهذا الحديث ونحوه رد على أصلهم الثالث والرابع، والنصوص التي فيها إخراج عصاة الموحدين وأهل الكبائر من النار تبلغ حد التواتر، وقد تواترت الأحاديث في خروج عصاة الموحدين من النار، وأن لنبينا ﵊ أربع شفاعات، وفي كل شفاعة يحد الله له حدًا مبينًا، وفي بعض الروايات يقول الله له في المرة الأولى: (أخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، أو حبة خردل من إيمان).
وفي المرة الثانية يقول له: (أخرج من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من إيمان).
وفي المرة الثالثة يحد الله له حدًا آخر ويقول له: (أخرج من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان).
وفي المرة الرابعة يقول له: (أخرج من قال: لا إله إلا الله).
وثبت أن الملائكة يشفعون، وأن الصالحين يشفعون، وأن الشهداء يشفعون، وأن النبيين يشفعون.
وثبت أنه تبقى بقية ليس لهم شفاعة، فيخرجهم الرب ﷾ برحمته بعد شفاعة الملائكة والنبيين، فلم تبق إلا رحمة أرحم الراحمين، فيخرج الرب ﷾ أقوامًا من العصاة لم يعملوا خيرًا قط، لكنهم ماتوا على التوحيد.
وثبت في الأحاديث الصحيحة أن عصاة الموحدين يموتون في النار موته، وأنهم يمتحشون ويصيرون فحمًا، وأنه يدخل النار جملة من العصاة من المصلين، وأن النار لا تأكل مواضع السجود من جباههم ووجوههم، فمن الناس من يدخل النار لكونه عاقًا لوالديه، وهذا لكونه قاطعًا لرحمه، وهذا لكونه مات على الزنا أو السرقة، أو التعامل بالربا، أو أكل مال اليتيم أو شهادة الزور، أو غير ذلك من الكبائر، ومعتقد أهل السنة والجماعة أنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر، لكن الواحد بعينه لا يشهد له بجنة ولا نار.
وثبت -أيضًا- أنهم يخرجون منها ضبائر ضبائر قد امتحشوا وصاروا فحمًا، ثم يلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم بدخول الجنة، فإذا خرجوا من النار، ولم يبق في النار موحد أطبقت النار على الكفرة بجميع أصنافهم، من اليهود والنصارى والشيوعيين والمنافقين والوثنيين والمجوس وغيرهم من أصناف الكفرة والمرتدين، وكذلك من مات على ناقض من نواقض الإسلام، فكل هؤلاء تطبق عليهم النار وتغلق، فلا يخرجون منها أبدًا، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ﴾ [الهمزة:٨] أي: مطبقة مغلقة، وقال سبحانه: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾ [المائدة:٣٧]، وقال سبحانه: ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [البقرة:١٦٧]، وهذا بعد خروج عصاة الموحدين منها، فهذه النصوص الكثيرة المتواترة أنكرها المعتزلة والخوارج، وقالوا: إن عصاة الموحدين والمؤمنين يخلدون في النار كالكفار، والعياذ بالله.
ومن الأدلة التي يرد بها على المعتزلة: قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء:٤٨]، فأخبر ﷾ أن الشرك غير مغفور، وأن ما دون الشرك فقد علقه الله على مشيئته، والمعاصي والكبائر دون الشرك.
4 / 17