Lessons by Sheikh Yasser Burhami
دروس للشيخ ياسر برهامي
জনগুলি
ظهور آثار أسماء الله الحسنى وصفاته العلى
ومن أعظم ذلك وأهمه: ظهور آثار أسماء الله الحسنى وصفاته العلى لعباد الله المؤمنين في هذا الوجود، فالله ﷿ تعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته في كتابه، وتعرف إليهم بآثارها في هذا الكون الواقع المشهود، فالله ﷿ يريد أن يظهر لنا نفاذ إرادته ﷿، فإرادته ﷾ نافذة، ومشيئته نافذة، ويريد أن يظهر منته على المستضعفين، وإرادته في كسر الجبارين المتكبرين، ولن يقع ذلك إلا بوجود الاستضعاف أولًا، ثم المن على المستضعفين ثانيا، كما قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص:٥ - ٦]، فالله ﷿ فعال لما يريد، فهو يظهر للناس ذلك بوجود هذه البلايا والمحن وهذه الآلام ليظهر بعد ذلك أنه العزيز وأنه ذو انتقام، وأنه ﷾ المنان، وليظهر ملكه ﷾، فقد كان لا بد من إعزاز وإذلال، ولابد من تقليب الممالك ليعلم الناس أن الملك لله وحده لا شريك له، قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [آل عمران:٢٦ - ٢٧]، فلابد من تداول الملك، فيوم لنا ويوم علينا، ويوم نساء ويوم نسر، ولابد من أن يحدث الإعزاز والإذلال لنعلم أن الله وحده هو المعز المذل، وأنه وحده هو الخافض الرافع، ولابد من محن وآلام ليعلم الناس أن الله وحده هو سبحانه الذي يكشف الكرب ويذهب الغم، فاللهم كاشف الغم ومذهبه، مجيب دعوة المضطرين، رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ارحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك.
ومن ذلك: إظهار أنه ﷾ المولى والنصير، وأنه ﷾ العزيز، قال ﷿: ﴿بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ﴾ [آل عمران:١٥٠]، وقال ﷾: ﴿نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ [الأنفال:٤٠] ﷾، فكيف يحدث ذلك إذا انتصر المسلمون بقوتهم أو إذا انتصروا بعدتهم؟! فهم إنما ينتصرون بنصر الله وتوفيقه ﷿، فالله مولى الذين آمنوا والكافرون لا مولى لهم.
فيظهر ذلك عندما تحدث هذه الآلام والبلايا والمحن ثم ينصر الله عباده المؤمنين رغم ذلك كله ليظهر أنه ﷾ مع المؤمنين، وتظهر آثار معيته ﷿ التي يستحضرها أهل الإيمان الذين يظنون أنهم ملاقوا الله، قال ﷾: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة:٢٤٩ - ٢٥١].
والأمر أمره سبحانه، فهو تعالى يقلب القلوب كيف يشاء، ولولا أنه ﷿ أزاغ قلوب من شاء ثم هداهم لما علمنا ذلك، أما دعا الرسول ﵊ على أقوام فقال: (اللهم العن فلانًا وفلانًا، اللهم العن رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله)، ثم أنزل الله ﷿ عليه: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [آل عمران:١٢٨]؟! ولقد كان عكرمة وسهيل بن عمرو وأمثالهما ممن سماهم ﵊ في دعائه، فتاب الله ﷿ عليهم لنعلم أنه ﷿ وحده الذي له الأمر، وأنه وحده مقلب القلوب، ولنلتجئ إليه ﷾ في تثبيت قلوبنا ودوام الهداية علينا، فالله ﷾ هو الذي هدى وهو الذي يمن ﷾ باستمرار الهداية، ولذا كان يقول الصحابة: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا وكان الرسول ﷺ يقول معهم: إن الألى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا ويمد صوته بها كما يمدون؛ لأنهم يلجئون إلى الله ويعلمون تقليبه للقلوب وللأقدام، فهو الذي يثبت من يشاء ﷾، ليرينا ﷾ أنه الغالب على أمره، فلولا بيع إخوة يوسف له لما كان له من السلطان عليهم بعد ذلك، ولولا دخوله السجن لما كان له الملك بعد ذلك ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف:٢١]، فهو ﷾ ما شاءه كان وما لم يشأ لم يكن، ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة:٥٦]، قال ﷿: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ [المجادلة:٢١].
كل هذه أسماء وصفات وأفعال لله ﷿ يرينا آثارها بوجود تلك الآلام، ولا يمكن أن تظهر لنا إلا من خلال هذه الآلام والمحن، ليرينا ﷾ أنه يمهل ويحلم، فيمد للظالم مدة من عمره يمهله فيها ويأتيه من نذر الله ما يأتيه، فإذا تاب إلى الله ﷿ غفر الله له، كما قال ﷺ: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بعباد يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم)، ألم تسمع لقوله تعالى بعد أن ذكر إجرام المجرمين في قصة أصحاب الأخدود وقتلهم أولياءه ﷾: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ [البروج:١٠]؟ قال الحسن: انظروا إلى هذا الكرم! قتلوا أولياءه ثم يدعوهم إلى التوبة.
فهو سبحانه يتوب على من يشاء، وربما نرى في أعدائنا من يتوب الله ﷿ عليه بعد ذلك.
وكذلك يرينا ربنا قدرته ﷿ وإملاءه لمن لم يتب منهم، قال سبحانه: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف:١٨٣]، ليظهر لنا متانة كيده ﷿، وقال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا﴾ [الطارق:١٥ - ١٧]، وقد نزلت هذه الآيات ورسول الله ﷺ في مكة محاصر مستضعف، ونفذ ما أراد الله ﷿ في سنوات معدودة كما وعد ﷿، فهو ﷾ الذي يكيد، ويستدرجهم من حيث لا يعلمون، ولا تظن أنه ﷾ غافل، بل هو على كل شيء شهيد، وهو ﷿ لا يغيب عن خلقه ولا يغيبون عنه ﷾، فهو على كل شيء شهيد ﷿، أي: لا يغيب عن تدبيره وملكه، وإلا فهو ﷾ حجابه النور كما قال ﵊.
فكل أسمائه وصفاته لها آثارها في هذا الوجود، ولابد من أن تظهر، وهو يحب أن يتعرف إلى عباده من خلال أفعاله ومقاديره ﷿، فمن أجل ذلك قدر الآلام التي هي كثيرة ومؤلمة لنا.
6 / 11