دروس للشيخ الألباني
دروس للشيخ الألباني
জনগুলি
حكم اشتراط التواتر في أحاديث العقيدة
لكن الواقع أننا قد تورطنا من هذا الاصطلاح فجئنا بعقيدة باطلة مخالفة للشريعة الإسلامية، وهذه العقيدة بالتالي لا يعرفها السلف الصالح، ولا يعرفها الأئمة الأربعة الذين نحن ننتمي إليهم في اتباعهم في مذاهبهم، سواء ما كان منها مذهبًا اعتقاديًا بهذا الاصطلاح، أو كان مذهبًا حكميًا شرعيًا.
أريد من هذا التذكير بما ابتلي به المسلمون اليوم من رأي اعتزاليّ قديم، قام بعض الناس بتبنيه وإشاعته بين الناس، فكان مثار فتنة ومثار بلاء أصيب به كثير من الناس؛ بسبب جهلهم بالسنة أولًا، وبالأولى بسبب جهلهم بما كان عليه سلفنا الصالح من تقبلهم الأخبار الصحيحة عن النبي ﷺ على إطلاقها دون فلسفة عقيدة، وحكم، هكذا كان موقف السلف الصالح بالنسبة لأحاديث الرسول ﷺ أن يتقبلوها على إطلاقها، سواءً كانت بالاصطلاح السابق الذكر (عقيدة)، أو كان (حكمًا شرعيًا)، لا يفرقون بين هذا وبين هذا، وإنما يكون موقفهم تجاه كل حديث يبلغهم عمن يثقون بخبره أن يسلموا تسليمًا؛ لأن الله ﵎ حينما قال في مطلع هذه الآية: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء:٦٥] هذه الآية نص عام، اختلفنا -مثلًا- في قبول خبر الآحاد في الأحكام الشرعية، ماذا نفعل؟ نُحكم الرسول ﵊ في ذلك هل أُمرنا باتباع الرسول ﵊ فيما يأتينا به من أخبار فيها أحكام شرعية؟
الجواب
نعم، وهذا موضع اتفاق، ولكن اختلفنا اختلافًا من نوعية أخرى، ألا وهو: هل نأخذ بحديث الآحاد في الأخبار التي ليس فيها أحكام شرعية وإنما فيها محض عقيدة؟ قيل وقيل، إذًا لمن نرجع؟ إلى الحَكَم الذي ذكره الله تعالى في قوله: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ.
﴾ [النساء:٦٥] إلى آخر الآية، فنحن حينذاك مادام أننا اختلفنا يجب أن نتحاكم إلى الله وإلى الرسول، وأن نسلم بعد ذلك إلى ما جاءنا عن الله والرسول ونسلم تسليمًا، فهل تجدون في كتاب الله أو في حديث رسول الله ﵌ هذا التفريق الذي ابتلي به قديمًا بعض الفرق الإسلامية وحديثًا بعض الشباب المسلم؟ هل تجدون هذا التفريق في كتاب الله أو في حديث رسول الله، أم تجدون هناك النصوص عامة مطلقة مثل: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر:٧] فهذا من حيث أن الرسول ﵌ مصدر الخبر المصدر الأول؟ ثم هل تجدون هناك في الكتاب أو في السنة تفريقًا من حيث وصول الخبر من بعد الرسول ﷺ أنه يجب أن يؤخذ بالأحكام ولو كان الناقل للخبر عن الرسول ﵊ فردًا، أما في العقائد -بالاصطلاح السابق- فلا يؤخذ إلا أن يكونوا جماعةً هم جماعة التواتر؟ هل تجدون شيئًا من هذا في الكتاب والسنة؟ أما نحن فلم نجد ولن نجد، ويستحيل أن نجد مثل هذا التفريق بين حديث الآحاد في العقيدة والأحكام، بحيث أنه في العقيدة لا يؤخذ به والراوي نفسه ثقة، هذا الراوي الذي إذا روى خبرًا في الأحكام احتج به، وإذا روى خبرًا في العقيدة ليس فيه حكم لا يحتج به، هذا التفريق قلت: لا نجده ولن نجده، ولكننا نجد العكس، وهذا أقوى لنا، نجد النصوص من الكتاب والسنة -أيضًا- أنها تأتي نصوصًا عامةً، كما جاءت فيما يتعلق بالرسول ﵊، وأنه كالمصدر الأول لا فرق؛ سواءً جاءنا عن الله بخبر فيه غيب فيجب أن نسلم له تسليمًا، أو جاء بخبر فيه حكم فيجب أن نسلم تسليمًا، النصوص العامة تدل على هذا وأنه لا فرق، كذلك جاءت النصوص عامة فيما يتعلق بالواسطة الذي ينقل لنا الخبر عن الرسول ﵊، لا فرق أيضًا بين أن تكون هذه الواسطة هي الصحابي أو من بعد الصحابي.
3 / 10