دروس للشيخ الألباني
دروس للشيخ الألباني
জনগুলি
تفسير الورود في قوله تعالى: (وإن منكم إلا واردها)
السؤال
قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم:٧١] ما أصح الأقوال في تفسير الورود؟
الجواب
أصح الأقوال هو الدخول، كما جاء في بعض النصوص الصحيحة، من ذلك ما جاء في صحيح مسلم من قوله ﵇: (لا يدخل النار أحد من أهل الشجرة.
قالت حفصة: كيف ذلك يا رسول الله والله ﷿ يقول: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم:٧١]؟ قال ﵇: اقرئي ما بعدها: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم:٧٢]) الشاهد من الحديث واضح جدًا: حيث أن النبي ﷺ لما أخبر أنه لا يدخل النار أحد من أهل الحديبية أشكل الأمر على السيدة حفصة ﵂، والإشكال كان قائمًا عندها بناءً على فهمها للآية السابقة على ظاهرها: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم:٧١] أي: داخلها، فلم يلتقِ فهمها للآية مع تصريح الرسول ﵇ بأن أهل الشجرة -أهل بيعة الرضوان- لا يدخل أحد منهم النار، فاختلف حديث الرسول ﵇ مع فهم السيدة حفصة للآية، وفهمها كان صحيحًا للشطر الأول منها؛ لأنها فهمت أن الآية تعني: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم:٧١] أي: داخلها، إذًا كيف يمكن التوفيق بين هذا وبين قوله ﵇: (لا يدخل النار أحد من أهل الشجرة) .
فنجد هنا أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقر السيدة حفصة على فهمها للورود بمعنى الدخول، لكنه أزال الإشكال عنها بتمام الآية: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم:٧٢] فإذًا: الدخول حقيقة لا بد من أن يقع بالنسبة لجميع الناس صالحيهم وطالحيهم، إلا أن هناك فرقًا جوهريًا بين الصالح والطالح، فالصالح يدخلها مرورًا، أما الطالح فيدخلها سقوطًا وعذابًا.
ويؤكد هذا المعنى -الذي هو واضح جدًا من حديث حفصة ﵂ الحديث المخرج في الصحيحين من حديث أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من مسلمين -أي: زوجين- يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا لن تمسهما النار إلا تحِلَّة القسم) القسم هي الآية السابقة: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم:٧١] فالرسول ﵇ يشهد في هذا الحديث أن من فضائل الزوجين الصابرين على قضاء الله ﷿، الذي اصطفى إليه ثلاثة من أولاد الزوجين لم يبلغوا سن التكليف؛ إذا رضوا بذلك فلن تمسهما النار إلا تحلة القسم، أي: مرورًا؛ كما هو في حديث السيدة حفصة ﵂، هذا هو القول الصحيح الذي لا ينبغي التردد في تَبَنِّيْهِ في تفسير الآية الكريمة.
وهناك حديث صريح جدًا لكن إسناده ضعيف، وإن كان رواه الحاكم في المستدرك -، فهو معروف بالتساهل في روايته في هذا الكتاب، عن جابر بن عبد الله الأنصاري: أن رجلًا لقيه في الطريق، فقال له: حضرنا مجلسًا فمررنا بهذه الآية: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا﴾ [مريم:٧١] فاختلف أهل المجلس في تفسيرها على ثلاثة أقوال، ولما سمع جابر منه ذلك، وهو يسأله عن معنى الآية باعتباره صحابي الرسول ما كان منه -هذا إن صحت الرواية- إلا أن وضع إصبعيه في أذنيه وقال: (صُمَّتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: لا يبقى بر ولا فاجر إلا ويدخلها، ثم تكون بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم) هذا الحديث ضعيف المبنى، لكنه صحيح المعنى بشهادة الحديثين السابقين.
7 / 22