أم الإسكندر الثاني
أم الرجعة قد عادت
إلينا بسليمان؟
يهب من نومه فترامى الخدم على خدمته، كل في شأنه الذي نصب له، فإذا قضى لبانته من مأكله ومشربه وملبسه ، قدم له الجواد فاستوى عليه، ومضى متباطئا إلى حيث الجنود مصطفة للتدريب، غير مبال بانتظار تلك المئات، ولا بما يلحق بهم من السأم والملل إذا تأخر أوان
العيون سجدت السيوف، وقامت البنادق، وخفتت الأصوات، وجمدت الشخوص، وسكنت الأنفاس لسكون النسيم إجلالا للقادم، ورهبة للمقبل، وما أسعدهم إذا أجاب على كل هذا بإشارة من رأسه أو من يده، ثم يخترق الصفوف بجواده بهيئة المتفقد، وخلفه أكبر ضابط مصري يكتب عنه ما يملي عليه من ملاحظاته، ثم يركض جواده ملء فروجه إلى ملعب الكرة، بعد أن يرسم لمن ينتدبه مكانه خطة التدريب في غيابه.
ومن رآه وهو عائد من ملعبه يجر خلفه الصولجان، وقد أخذ منه الجهد ظنه منقلبا من إحدى مواقع حرب البوير بعد عراك وصدام، وتعانق والتحام، وروغ وأقدام. قد رنحه الضرب، وأثملته الحرب، يجر من ورائه رمحا قد جمد عليه النجيع بعدما سالت النفوس.
وتحين ساعة عودته إلى مقر حكمه، فيغير من زيه بعد أن يقطع صدر يومه على مائدة الصباح، ثم يوافي ديوان نهيه وأمره، ومظهر علو قدره، فيتربع في دست جلاله، فما سليمان على بساطه، ولا كسرى في إيوانه، بأكثر جلالا في الصدور، ولا أشد رهبة في النفوس. فإذا قعد للمظالم، والأخذ للمظلوم من الظالم، فهنا لا تسل عن الميل والإجحاف، وسل عن العدل والإنصاف. والويل للمصري يستعدي عليه الزنجي الحاكم الإنجليزي، فإنه مدفوع به إلى أقصى درجات العقاب، قبل أن يعلم الأسباب، فأي مصري لا يفتأ يضرع إلى الله أن يصبغ لون جلده بسواد جده؛ ليخطو إلى السعادة هذه الخطوة، ويحظو عند القوم بتلكم الحظوة.
والإنجليزي في الجيش مشغوف بحب الأسود من الألوان، عاملا بقول الشاعر الحكيم:
وما كل وجه أبيض بمبارك
ولا كل جفن ضيق بنجيب
অজানা পৃষ্ঠা