يا أمم الشرق، ما مات فيك كبير إلا وراءه صحيفة سودتها نقائصك تدل على قصر نظرك وضيق نطاق عقلك، كم من حكيم ذاق حتفه عقابا له على حب العدل والحق! وكم من عظيم أراد أن ينير لك غياهب الدهور القادمة، فأطفأت شعلته قبل أن يضيء لك محجتك ويهديك سواء السبيل!
يا أمم الشرق، إن الطبيعة تعفو وتغفر، ولكن الحليم شديد الانتقام، ومن عفا اليوم عاقب غدا، ومن غفر بالأمس ينتقم اليوم.
يا أمم الشرق، انظري إلى الأمم التي ورثت مجدك وغلبتك على أمرك وداستك تحت أقدامها وجلست منك مجلس السيد من العبد والظالم من المظلوم؛ إن تلك الأمم حلت لغز الحياة، وسبرت غور الطبيعة، وعرفت كنه المسائل التي تقفين أمامها ذاهلة حائرة. إن تلك الأمم تبجل عظماءها وتمجدهم وتتخذ منهم هداة ومرشدين لا ترد لهم قولا ولا رأيا.
فيا أمم الشرق، إن شئت أن تنالي منالها وتبلغي مجدها، أو تستردي مجدك الضائع وتقيمي ركن عزك المنقض؛ فاهدمي معابد البهتان، وارفعي لكل عظيم عمادا، وأقيمي لكل كبير تمثالا يكون موضع السجدات.
يا أمم الشرق، هذه كلمة أقولها ولا أزيد عليها، قد لا تصل إلى آذانك، بل قد لا تستأذن على مسامع أمتي التي أنتسب إليها وأبناء وطني الذين أنتمي إليهم، فإذا لم تكن نصيحة تسمع وتقبل ويعمل بها فلتكن نفثة مصدور تفرج الكرب وآهة محزون تقلل من حزن النفس والقلب.
ولما أن فرغ الروح الحائر من هذا القول أخذته هزة فاخلتج المصباح الذي في يده، فقال لي وهو يختفي عني في الأثير المحيط به: موعدنا الليلة الرابعة.
الليلة الرابعة
غرور الناس بالناس
كنت في حيرة من الحياة أناجي نفسي تارة وأعقها طورا، وإذا بي أرى شعاع مصباح الروح الحائر، فقلت: إلي أيها الروح، فإنك على حيرتك أكثر مني هدى، إنني أسمع في هذه الأيام قولهم: «هذا هو الذوق الشائع، وذاك هو الرأي العام.» ولست أفهم لهذا معنى.
قال الروح الحائر: «إنني إذا ذكرت بعض حوادث حياتي الأرضية وما كنت فيه من القيود المرذولة التي اقتضتها العيشة المادية تنفست الصعداء وحمدت الله على الخلاص من هذا البلاء، وإنني أذكر ما قاسيته من البشر وأنا في الجسم الدنيء البالي كما يذكر المتيقظ حلما مزعجا، ولكن هناك بعض الشئون فطنت لها وتجلت علي الحقائق خلالها، فسعدت بها وأنا في الحياة الدنيا، فقد كشف لي يوما عن حقيقة غرور الناس أو بدعة الرأي العام.» قلت: «حدثني فلعلني أهتدي بقولك.»
অজানা পৃষ্ঠা