فابتسم ولم يجب .. وتفكر قليلا كيف يحرضه على اللهو .. ونظر نحوه مرة أخرى فوجد مكانه خاليا .. أجال بصره في المقهى فلم يعثر له على أثر .. هكذا يختفي فجأة وفي غمضة عين، فما أغربه! ولكن عجر صمم على أن يشترك في سهرة اللسان الأخضر مهما كلفه الأمر .. ولو توجت المغامرة بطرده!
10
اللسان الأخضر الممتد في عرض النهر مثل جزيرة نحيلة، ولا ضوء إلا ضوء النجوم الخافت .. وغير بعيد ينطلق شبح النخلة يقوم أسفلها مثوى المجنون .. كان عليهم أن يمدوا بساطا ويهيئوا سماطا، ويشعلوا نارا للشواء .. غير أن شبحا أقحم نفسه بينهم متطوعا للخدمة وهو يقول: خدام السيادة!
لم يحظ الصوت بارتياح أو تشجيع وصاح جليل البزاز: عجر! يا لك من طفيلي ثقيل!
فقال بثبات ويداه لا تكفان عن العمل: طفيلي أي نعم، ولكن لست ثقيلا، وكيف يطيب مجلس كهذا بلا خادم؟
فقال حسن محذرا: على شرط أن تلزق فاك بالغراء! - لن أفتحه إلا بعد إلحاح.
وارتفع صوت شملول الأحدب رفيعا كصوت طفل، وهو يقول له: كيف تدس نفسك يا صعلوك بين الأكابر؟
فحنق عليه، ولكنه انهمك في عمله مجهزا القوارير والكئوس، وراح يشعل النار .. اندفعوا في الشرب .. تناول شملول عودا يماثله في الحجم، ومضى يدندن بصوته المثير للضحك، وكان رغم ضآلته يجيش صدره بعظمة كونية .. وعقب أول كأس تستقر في جوف عجر نسي عهده فتساءل: هل سمعتم بآخر نادرة من نوادر حسام الفقي كاتم سر الحاكم يوسف الطاهر؟
فصاح به حسن العطار: لا نحب أن نسمع، فأغلق فاك!
وتمادوا في الشراب على حين ترامى صوت غير مرئي المصدر يناجي «الواحد» فاتجهت الرءوس نحو شبح النخلة .. وقال فاضل: إنه المجنون.
অজানা পৃষ্ঠা