فالتفت إلى الأريكة المجاورة، فرأى سحلول تاجر المزادات والتحف يرمقه باسما، فقال له: إنك حكيم ومجرب يا سيدي.
فقال سحلول: من ملك الحلم ملك الغد!
مال إلى مناقشته بكل قلبه ولكن فاضل - مستذكرا ما سبق أن ردده صديقه الغائب عبد الله الحمال - لكزه بكوعه خفية وهمس في أذنه: دعك منه.
فتساءل نور الدين: ولكنه ذو تجربة.
فهمس فاضل صنعان: إنه غامض أيضا كالحلم.
وسمع الطبيب عبد القادر المهيني وهو يقول: في تقديري أن جيش السلطان سينتصر ولكن البومة ستنعق في بيت المال.
11
وجعل نور الدين يتنهد في أسى متسائلا، أما لهذا الشوق من نهاية؟ .. كلت عيناه من النظر وأرهق القلب .. وراح يتجول في الطرقات، حينا في النهار، وحينا في الليل، منجذبا بصفة خاصة إلى مواقع النساء في أسواقهن الأثيرة .. وأكثر من مرة يمر أمام دار الوزير دندان في الوقت الذي تقف فيه دنيازاد وراء المشربية مستطلعة ولكنه لا يراها ولا تراه .. وتتجلى له التجربة الفريدة خارقة من الخوارق مستقرة في عزلة بعيدا عن مجال الأمل، أو تهامسه مرات كحقيقة مذهلة ستكشف له النقاب عن وجهها، وقتما تشاء رحمة الله .. ومرة أخرى رأى في آخر الليل شبحا مقبلا .. تكشف له عندما ألقي عليه ضوء فانوس معلق بأعلى باب دار عن وجه قزم .. إنه كرم الأصيل صاحب الملايين فماذا أخرجه من داره الرائعة في مثل هذه الساعة من الليل؟ ماذا يؤرقه وعم يبحث؟ .. ترى لو وقع أسير حلم مثله فهل كان يغني عنه ماله في العثور على آسره؟! وانقبض قلبه لمرآه، لغير سبب واضح.
12
كرم الأصيل يحب المشي في الليل في الطرقات الخالية .. إنه صديق الأماكن، فما يخلو مكان منه من عمارة أو بيت أو وكالة يملكها .. وله في داره الرحيبة زوجة وعشرات من الجواري ولكنه لا يملك القلوب كما يملك البشر والأشياء .. بقدرته أن يغير المصائر ولكنه عاجز عن تغيير صورته أو حجمه .. لذلك كثيرا ما تبدو له الدنيا كئيبة مثل وجهه .. تدفعه المعاملة لغشيان الناس ولكنه يحب الوحدة والليل .. لا يحب الغناء ويضيق بالسمر ويعشق المال ويعبد القوة .. لم يهنأ بقبوله نديما للسلطان، يؤدي الزكاة ولا يمارس الصدقة، يعنى بلحيته ويعجب بها؛ فهي أجمل ما فيه بثرائها وتماديها، أنجب من البنات عشرين ولم ينعم عليه بذكر واحد، وهو صاحب الملايين، وأغنى رجال الحي، بل أغنى رجال المدينة.
অজানা পৃষ্ঠা