ساقه، وجذب كل صَدُوحٍ للغناء بأطواقه، وتبسمت من الأقحوان الثغور، وتنسمت نفحات المسك والكافور، واعتل النسيم غيرةً وتغير، فتولى وهو بذيله يتعثَّر، وجعل يجر من الحياء ذيولًا على الأغصان، فتعتنق اعتناق المُواصل الغضبان:
في روضةٍ عَلَّمَ أغصانُها ... أهلَ الهوى العُذْرِيِّ كيف العناقْ
هَّبت بها ريحُ الصَّبَا سحرةً ... فالتفَّتِ الأغصانُ ساقًا بساقْ
وبكى النهر على مواصلة الغصون، وخر لديها وفاضت منه العيون، ومثلها في قلبه شغفًا وحُبَّا، وصار بها من دون الصَّبا صبَّا:
والنَّهرُ قد عَشِقَ الغُصُونَ فلمْ يَزَلْ ... أبدًا يمثلُ شخصَهَا في قلبهِ
حتَّى إذا فطن النَّسيم فجاءهُ ... من غِيرةٍ فأزالها عن قُربِهِ
وغدا عليه مُهَينِمًا بعتابه ... سرًا فجعَّدَ وجْهَهُ من عَتْبِهِ
فلم يزجر النهر عن حب الغصون زاجر ولا عاذل، ولم يجب العذل إلا بدمعه السائل، وصار يرد برد الهوى بحر هواه العذري، وغدا ساعيا بسعادة الأغصان يجري، فقنع منها بأدنى وصال، وربما اقتصر منها في الحب على الخيال:
ونهرٍ بحُبِّ الدَّوحِ أصبح مُغرمًا ... يروحُ ويغدو هائمًا بوِصَالِها
إذا بَعُدَتْ عنه شكا بخريره ... جفاها وأضحى قانعًا بخيالها
1 / 11