مكايدة الغرام ومكابدة الجوى، فلو عذبت بطول السهر وكثرة الدموع، وبفيض الشؤون وعدم الهجوع، وبمسامرة الأحزان والفكر، وبمراقبة النجوم إلى السحر، وبعدم الإغفاء وطول
السهر، لكان استحقاقها وجود جود الدمع وإن طما، وعدم منال المنام وإنْ نما:
لأُعذِّبَنَّ العينَ غير مُفكِّرٍ ... فيما جَرَتْ بالدَّمْع أو سالتْ دَمَا
ولأهْجُرَنَّ من الرُّقَادِ لذيذَه ... حتَّى يعودَ على الجُفُون مُحرَّمَا
هي أوقَعَتْني في حبائل فتنةٍ ... لو لم تكن نَظَرَتْ لكنتُ مُسَلَّما
سَفَكَتْ دمي فلأسفحنَّ دُمُوعَها ... وهي التي ابتدأتْ فكانتْ أظْلَمَا
وموجب هذه المقدمة الواعظة، والألفاظ التي هي بالتحذير لافظة، أنني خرجتُ في بعض الأيام متفرجًا وسارحًا، وجائلًا بطرفي في الرياض وسائحًا، وصحبتي صديق لي في المحبة صادق، ورفيق لي فيما أروم موافق، قد ملك كل حسن ولطافة، وجمع كل حذق وظرافة، ينتصب لخدمتي لا يمل ولا يسأم، ويتعب في مرضاتي لا يكل ولا يندم، ويجتهد في موافقتي لا يمن ولا ينم، ويحسن في مرافقتي فلا يذم ولا أذم، قد اتخذته جهينة أخباري، وكنزًا لخزائن أسراري، لا أستطيع مفارقة وجهه الجميل، وهو عندي كما قيل:
برُوحي مَنْ لا أستطيع فراقَهُ ... ومَنْ هُو أوفى من أخي وشقيقي
إذا غاب عنِّي لم أزل مُتلفِّتًا ... أدور بعيني نحو كُلِّ طريقِ
1 / 8