وكأن الصبح في الأفق باز (نهاب)، والدجى بين مخلبيه غراب.
فلما ارتفع ضوء النهار، ودمعي وصبري قد سال وسار، ما رأيت حسنًا إلا توهمتة الحبيب، ولا مروعًا إلا وخلته الرقيب، وأنا في حالة تسر الحواسدَ والأعداء وتسوء الأصدقاء والأوداء، وكلما تذكرت الحبيب تنفست، وكلما فطنت للرقيب أوجست:
أُقَضِّي نهاري بالحديثِ وبالُمنى ... ويجمعُني والهَمَّ باللَّيلِ جامحُ
نهاري نهارُ النَّاسِ حتَّى إذا بدا ... لي اللَّيلُ هَزَّتْني إليكَ المضاجحُ
أتذكر الحبيب فأصرخ وأصيح، وأستنجد الدموع فتسيل وتسيح، وصاحبي يلحاني ويردعني، ويهددني بالملامة ويصدعني، أقول له: لا تؤذني بنصحك وعذلك، فيقول: إني أحزن لثبوت جنك، ووثوب عقلك، فأنشد وقلبي ذاهل، وعقلي زائل:
مَنْ مُنصِفِي مِنْ عاذِلٍ جاهِلٍ ... يخونُ باللَّومِ لمنْ لا يخونُ؟
إنْ قلتُ: ما نصحكَ إلا أذى ... قال: وما عِشْقُكَ إلا جُنُونُ
فيقول: نعم، أنت مجنون في معرفتي وفهمي، أو كما ورد حبك الشيء يصمي ويعمي.
فقلت: ليس عجيبًا جنون مثلي، وقد عدمت فؤادي وسلبت عقلي:
هَبُوني قد جُننتُ وضلّ عقلي ... فهل عجب لمثلي أنْ يُجنَّا؟!
ونحن معاشرَ العُشَّاق نرضى ... بما فرض الغرام لنا وسنَّا
1 / 39