ببرد الثنايا وعذب اللّمى، وأرسلوا إلى مقالته من النَّواظر اسهما، وطعنوه بسمر قدودهم العوامل، وأسروه بلطف هاتيك المعاطف والشمائل، ولم يتركوا لغيرهم فضلة من المحاسن واللطائف، ولم نرَ لغيرهم رقة هاتيكَ الخضور ولا ثقل هاتيكَ الرَّوادف:
لم تترك الأتراكُ بعدَ جمالها ... حُسنًا لمخلوقٍ سواها يُخلَق
جذبوا القسيَّ إلى قسيّ حواجب ... من تحتها نَبْلُ اللَّواحظ ترشقُ
نشروا الشُّعور فكُلُّ قَدٍّ منهم ... لدن عليه من الذَّوائب سنجقُ
لي منهم رشأ إذا قابلتُهُ ... كادتْ لواحظُهُ بسحرٍ تنطقُ
إن شاَء يلقاني بخَلْقٍ واسعٍ ... عند اللِّقاء نهاه طَرْفٌ ضيِّقُ
قد ركبوا الجياد من السوابق، وجذبوا قسيًا، فاستبقت من قدودهم وعيونهم أسهم رواشق، ورموا قلب المحب فلم يخطئه سهم العيون، وخطروا بمعاطف خجلت منها مائسات الغصون، وشدوا مناطق خصورهم، فبهت المتيم وحار، وبرزوا بوجوه تقمر قمر الدُّجى وتكسف شمس النهار. فحين رأيتهم، وقفت ودمعي سائل وسائح، وبهت ولب عقلي ذاهب ورائح، فقال لي صاحبي: أبك خبال أم جنون، أم عشق أرسل من العيون مثل العيون؟!
فقلت: أجل، لقد طار فؤادي على أغصان هذه القدود، وسحرت بنرجس اللواحظ، وفتنت بورد الخدود، وجننت من الوجوه التي سار لها من الحسن أفنان
1 / 14