Language and Linguistics
اللغة وعلم اللغة
প্রকাশক
دار النهضة العربية
সংস্করণের সংখ্যা
الأولى
জনগুলি
مقدمة المترجم:
يعد جون ليونز من أهم اللغويين المعاصرين في بريطانيا عرف بعدد من الكتب في مقدمتها: علم اللغة التركيبي ١٩٦٣، وعلم اللغة النظري ١٩٦٨، وآفاق جديدة في علم اللغة ١٩٧٠، وتشومسكي ١٩٧٠، وعلم الدلالة ١٩٧٧، واللغة وعلم اللغة ١٩٨١.
ونقدم في هذه الطبعة "الجزء الأول" من كتاب "اللغة وعلم اللغة" وهو كتاب ألف لجمهور المثقفين إلى جانب المتخصصين في علم اللغة، وصدرت الطبعة الأولى منه عام ١٩٨١، وأعيد طبعه عام ١٩٨٢، ١٩٨٣، ١٩٨٤، و١٩٨٥، وربما كانت إعادة طبعه سنويا على النحو المشار إليه أمرا له دلالته، ويضم هذا الكتاب عشرة فصول هي على الترتيب: اللغة، وعلم اللغة، وأصوات اللغة، والنحو، والدلالة، والتغير اللغوي، وبعض المدارس والاتجاهات الحديثة، واللغة والعقل، واللغة والمجتمع، واللغة والثقافة، ويضم "الجزء الأول" الفصول الخمسة الأولى وهي تدور في إطار علم اللغة البحت الوصفي الذي يعتبره علماء اللغة لب تخصصهم العلمي بينما تدور الفصول الخمسة الأخرى في إطار علم اللغة التاريخي وعلم اللغة الموسع وقد نشر لكاتب هذه السطور ترجمة لفصلين منها في مجلة البيات التي تصدرها رابطة الأدباء في الكويت في العددين ٢٥٠ يناير ١٩٨٧، و٢٥١ فبراير ١٩٨٧ نشر في العدد الأول الفصل السابع "بعض المدارس والاتجاهات الحديثة"، ونشر في العدد الثاني الفصل العاشر "اللغة والثقافة".
ويتناول الفصل الأول "اللغة" سبع نقاط هي: ما اللغة؟ وبعض
1 / 5
تعريفات اللغة، والسلوك اللغوي والنظم اللغوية، واللغة والكلام، ووجهة نظر سيميولوجية وتصور التجانس، ولا توجد لغات بدائية.
ويتناول الفصل الثاني "علم اللغة" ست نقاط هي: فروع علم اللغة، وهل "علم اللغة" علم؟، والمصطلحات والرموز، وعلم اللغة وصفي وليس معياريا، وأولوية الوصف التزامني، والبنية والنظام.
ويتناول الفصل الثالث "أصوات اللغة" ست نقاط هي: الوسيلة الصوتية، والتمثيل الصوتي والهجائي، وعلم الأصوات النطقي، والوحدات الصوتية والصور الصوتية، والملامح المميزة والفونولوجيا التطريزية، والبنية الفونولوجية.
ويتناول الفصول الرابع "النحو" ست نقاط هي النحو والتصريف والصرف، والصواب النحوي والإنتاجية والاعتباطية، وأجزاء الكلام وأصناف الصيغ والفصائل النحوية، وبعض التصورات النحوية الإضافية، ومكونات البنية، والنحو التوليدي.
ويتناول الفصل الخامس "الدلالة" ست نقاط هي: اختلاف المعنى، والمعنى المعجمي وتعدد المعنى والترداف، والمعنى المعجمي: المعنى والدلالة الذاتية، والدلالة والنحو، ومعنى الجملة ومعنى القول، وعلم الدلالة الشكلي.
وفي النهاية أثبت قائمة بالمصطلحات الواردة في هذا الجزء باللغتين العربية والإنجليزية تلك التي ترجمها كاتب هذه السطور لأول مرة والتي يرجو لها القبول من قبل المتخصصين.
وقد آثرت في هذه الترجمة أن أكون دقيقا وملتزما إلى أقصى حد
1 / 6
ممكن وقد اعتمدت في التعليقات المثبتة في هوامش الكتاب على العديد من المراجع أخص منها "A First dicticonary of linguistice and phonetics لدافيد كرستال، والمعجم الفلسفي للدكتور مراد وهبة وقد ميزت التعليقات الخاصة بالمؤلف -وهي نادرة- بإضافة نسبتها إليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تنويه:
يود المترجم أن ينوه بالفضل الذي حظي به وحظيت معه هذه الترجمة من الأستاذ الدكتور محمود فهمي حجازي، ويتقدم له بجزيل الشكر والعرفان، كما يتقدم بجزيل الشكر والعرفان للأستاذ الدكتور مراد وهبة على ما اقتطعه من وقته الثمين في مناقشة بعض المفاهيم والمصطلحات الفلسفية.
المترجم
مصطفى زكي حسن التوني
القاهرة: ١٩٨٧
1 / 7
الفصل الأول: اللغة
أولا: ما اللغة؟
يعد علم اللغة الدراسة العلمية اللغة، ومن الوهلة الأولى فإن هذا التعريف -وهو أحد التعريفات الموجودة في أكثر الكتب الأساسية وفيما يعالج هذا الموضوع معالجة عامة- تعريف واضح وضوحا كافيا، لكن ما الذي تعنيه بالضبط كلمتا لغة، وعلمية؟ وهل يمكن أن يعد وصفنا لعلم اللغة كما يمارس اليوم بالعلم وصفا صحيحا؟
ويمكن مقارنة السؤال "ما اللغة؟ " بالسؤال "ما الحياة؟ " وهناك من سيقول إن السؤال الأول قد يكون أقل عمقا من الثاني الذي تدور افتراضاته المسبقة حول العلوم البيولوجية وتوحدها، وبطبيعة الحال فإن هذا السؤال ليس من هذا النوع الذي يحمله عالم الأحياء سلف في ذهنه دائما أثناء عمله اليومي، فإن لذلك أكثر من إطار فلسفي له، وعالم الأحياء -كغيره من العلماء- يتعمق عادة في تفصيل بعض المشكلات الدقيقة لينعم النظر في متضمنات هذه الأسئلة العامة، ومع ذلك فإن المعنى المسلم به سلفا الذي يتضمنه السؤال: "ما الحياة؟ " -الافتراض المسبق الذي ذهب إلى أن كل الكائنات الحية تشترك في خاصة ما أو في مجموعة من الخصائص التي تميزها عن الكائنات غير الحية- يرسم حدود اهتمامات عالم الأحياء، ويبرر الاستقلال أو الاستقلال الجزئي لتخصصه، ومع أنه من الممكن أن يقال عن سؤال: ما الحياة؟ بهذا المعنى أنه يمد علم الأحياء بالمبرر القوي لوجوده، وهذا السؤال في حد ذاته لا يعدو كونه
1 / 1
تفسيرا خاصا يستغله عالم الأحياء، وكشف متضمناته الأكثر تفصيلا داخل عدة أطر نظرية مقبولة ينمي في الوقت الحاضر تأملات عالم الأحياء وبحثه من يوم لآخر، وهو ما ينطبق أيضا على اللغوي١ في علاقته بالسؤال: ما اللغة؟
وأول ما يلاحظ من السؤال: "ما اللغة؟ " أنه عند صياغته باللغة الإنجليزية "؟ What is Language" تستخدم كلمة اللغة "Language" في المفرد وبدون أداة التعريف، وصياغة السؤال بهذا الشكل يختلف نحويا -إن لم يكن دلاليا- عن السؤال الذي يشبه من حيث الظاهر "What is a Langnage؟ " وتحتوي لغات أوروبية على كلمتين وليس كلمة واحدة لترجمة الكلمة الإنجليزية Language ففي اللغة الفرنسية Langue وLangage وفي اللغة الإيطالية Lingua وLinguaggie وفي اللغة الأسبانية Lengua وLenguaje وفي كل حالة يرتبط الاختلاف بين الكلمتين بالاختلاف الموجود في معنيي الكلمة الإنجليزية "Language" فعلى سبيل المثال تستخدم في اللغة الفرنسية كلمة "Langage" لتشير إلى اللغة بصفة عامة وتنطبق كلمة Langue على اللغات المحددة، ولا تسمح اللغة الإنجليزية للمتكلمين بها بأن يقولوا عن شخص ما: "He Possesses a Langage "الإنجليزية، الصينية، المالاوية، السواحلية....إلخ" فحسب، ولكن أيضا "He Possesses Language"٢ ويجعل الفلاسفة، وعلماء النفس، وعلماء اللغة عموما من معرفة اللغة أوضح ما يميز الإنسان عن غيره من سائر الحيوان،
_________
١ اللغوي "Linguist" مصطلح يشير إلى من يدرس أو يمارس البحث في اللغة وعالم اللغة "Linguistician" يعد المرجع لهذا الغرض إلا أن اللغوي المتخصص لا يستخدم مصطلح "عالم اللغة" للإشارة إلى نفسه، وثمة خلط بين ما يدل عليه هذ المصطلح وما يشير إلى من يتقن لغات عديدة.
٢ Ws Possesses a Language = He Possesses Language يمتلك اللغة.
1 / 2
وسنتناول جوهر هذا الادعاء في هذا الفصل، وأحب أن أؤكد هنا على حقيقة واضحة لكنها هامة ذلك أن أحدًا لا يستطيع معرفة لغة طبيعية أو استخدامها دون أن يكون قد عرف لغة طبيعية معينة أو استخدمها.
وقد استخدمت منذ لحظة مصطلح لغة طبيعية وهو ما يضعنا أمام نقطة أخرى، فكلمة لغة لا تنطبق على الإنجليزية، والصينية، والملاوية، والسواحلية.. إلخ فحسب وهو ما يتفق الجميع على أنه من المناسب تسميتها باللغات لكنها تنطبق كذلك على مختلف نظم الاتصالات الأخرى المتنوعة سواء أكانت تلك النظم مجموعة رموز أم مجموعة أرقام وهي موضع جدال، فعلى سبيل المثال أسس الرياضيون والمناطقة، وعلماء الكمبيوتر حديثا ولأغراض خاصة نظما رمزية وسواء أكان من الصواب تسميتها لغات أم لا فإنها صناعية أكثر منها طبيعية، ويكون الأمر كذلك حتى لو كانت مؤسسة على اللغات الطبيعية الموجودة سلفا وصارت لغة بلا نزاع مثل الإسبرانتو التي اخترعت في نهاية القرن التاسع عشر بهدف الاتصال العالمي، وهناك نظم أخرى من الاتصالات الخاصة بالإنسان وبغيره ينطبق عليها وصف طبيعية أكثر من وصف صناعية لكنها لا تبدو لغات بالمعنى الضيق لهذا المصطلح حتى ولو استخدمت كلمة لغة للإشارة إليها بشكل عام، لاحظ في هذا الشأن العبارات الآتية: لغة الإشارة، ولغة الجسد، ولغة النحل، وربما يذهب معظم الناس إلى أن كلمة لغة تستخدم هنا استخداما مجازيا أو استعاريا، ومن الطريف أن كلمة Langage لا كلمة Langue تستخدم عادة عند ترجمة مثل هذه العبارات إلى اللغة الفرنسية، والكلمة الفرنسية "Langage" "مثل الكلمة الإيطالية Linguaggio" والكلمة الأسبانية "Languaje" أكثر عمومية من الكلمة الأخرى التي تتزاوج معها ليس لأنها
1 / 3
تستخدم للإشارة إلى اللغة عموما فحسب ولكن أيضا؛ لأنها تنطبق على نظم الاتصال سواء أكانت طبيعية أم صناعية، خاصة بالإنسان أو بغيره، وتستخدم لها الكلمة الإنجليزية Language فيما يبدو أنه معنى مجازي.
ويهتم اللغوي -في المقام الأول- باللغات الطبيعية، والسؤال: ما اللغة؟ يحمل في طياته افتراضا مسبقا أن كل لغة من آلاف اللغات الطبيعية المميزة بوضوح المنطوقة في أنحاء العالم مثال نوعي لشيء ما أكثر عمومية، وما يريد اللغوي معرفته ما إذا كانت اللغات الطبيعية كلها تشترك فيما لا تشرك فيه معها نظم الاتصال الأخرى الخاصة بالإنسان أو بغيره ومن ثم يكون من الصواب أن نطلق عليها كلمة لغة وأن ننكر إطلاق هذا المصطلح على نظم الاتصال الأخرى باستثناء ما يتعلق بما تأسس على لغات طبيعية موجودة من قبل مثل الإسبرانتو وهو الأمر الذي سنتناوله في هذا الفصل.
ثانيا: بعض تعريفات اللغة العثور على تعريفات اللغة ليس صعبا، فلنلق نظرة على بعضها، وكل تعبير من التعبيرات التالية التي تدور حول اللغة سواء أكان مقصودا به أن يكون تعريفا أم لا يثير نقطة أو أكثر مما سيشغلنا فيما بعد، وهذه التعبيرات مأخوذة كلها من الأعمال الأساسية لمشاهير اللغويين، وإذا ما أخذت في مجموعها فسوف تقدم بعض الإشارات التمهيدية للخصائص التي يميل اللغويون -على الأقل- إلى الاعتقاد بضرورتها للغة. ١- تعريف سابير "Sapir"؛ "١٩٢١: ٨": "اللغة طريقة إنسانية بحتة غير غزيزية لتواصل الأفكار والانفعالات والرغبات بواسطة الرموز المنتجة إنتاجا إراديا"، ويعاني هذا التعريف من
ثانيا: بعض تعريفات اللغة العثور على تعريفات اللغة ليس صعبا، فلنلق نظرة على بعضها، وكل تعبير من التعبيرات التالية التي تدور حول اللغة سواء أكان مقصودا به أن يكون تعريفا أم لا يثير نقطة أو أكثر مما سيشغلنا فيما بعد، وهذه التعبيرات مأخوذة كلها من الأعمال الأساسية لمشاهير اللغويين، وإذا ما أخذت في مجموعها فسوف تقدم بعض الإشارات التمهيدية للخصائص التي يميل اللغويون -على الأقل- إلى الاعتقاد بضرورتها للغة. ١- تعريف سابير "Sapir"؛ "١٩٢١: ٨": "اللغة طريقة إنسانية بحتة غير غزيزية لتواصل الأفكار والانفعالات والرغبات بواسطة الرموز المنتجة إنتاجا إراديا"، ويعاني هذا التعريف من
1 / 4
عيوب عديدة، فمهما شرحنا المصطلحات: فكرة وانفعالا، ورغبة إجمالا فمن الوضاح أن هناك كثيرا مما تنقله اللغة لا يدخل في إطار أي منها، كما أن مصطلح "فكرة" بصفة خاصة غير دقيق بشكل متأصل، ومن الناحية الأخرى توجد نظم كثيرة من الرموز المنتجة إراديا لا نعدها لغات إلا بالمعنى المجازي لكلمة لغة، فعلى سبيل المثال ما تشير إليه الآن بشكل شائع عبارة "لغة الجسد" -التي تستخدم الإيماءات، وحركات الجسم، وحركة العين ... إلخ- قد تبدو ملائمة لتعريف سابير، وما إذا كانت اللغة إنسانية بحتة غير غريزية يفتح -والحق يقال- مجالا للشك، غير أن القضية كما سنرى هي ما إذا كان من المناسب أن نصف اللغات بالإنسانية البحتة وبانتفاء الغريزية منها، وهذه هي النقطة الرئيسية التي تؤخذ على تعريف سابير.
٢- تعريف بلوخ وتراجر "Trager، Bloch":
ورد عن بلوخ وتراجر في كتابهما "Outline of Linguistic Analysis" التعريف التالي: "اللغة نظام اجتماعي من الرموز المنطوقة الاعتباطية تتعاون به مجموعة اجتماعية، ويلفت النظر في هذا التعريف أنه على العكس من تعريف سابير لا يعطي أي اهتمام للوظيفة الاتصالية إلا على نحو غير مباشر وعلى سبيل التضمن، وبدلا من ذلك يضع التأكيد كله على الوظيفة الاجتماعية وهو إذ يفعل ذلك -كما سنرى بعد- يأخذ وجهة نظر أكثر ضيقا للدور الذي تلعبه اللغة في المجتمع، ويختلف تعريف بلوخ وتراجر عن تعريف سابير من حيث إنه قدم خاصة العرفية، وحصر بشكل واضح اللغة في اللغة المنطوقة "الأمر الذي يجعل ثمة تناقضا في عبارة "اللغة المنطوقة""، ويستخدم مصطلح اعتباطية هنا استخداما خاصا إلى حد ما سنعود إليه مرة أخرى، وسنعود كذلك إلى قضية العلاقة التي تربط بين اللغة والكلام، ويتطلب كل ذلك أن يقال في هذه النقطة إنه يقدر ما تلقى اللغات الطبيعية من اهتمام فإن
1 / 5
هناك علاقة وثيقة بين اللغة والكلام، ومنطقيا فإن الأخير "الكلام" يفترض سلفا الأول "اللغة" أي: إن المرء لا يستطيع الكلام دون استخدام اللغة "أي: بدون التكلم بلغة معينة"، لكن من الممكن أن يستخدم اللغة دون أن يتكلم، ومع ذلك فمن المسلم به أن اللغة مستقلة استقلالا منطقيا عن الكلام، وهناك مبرر جيد لأن تقول إنه في كل اللغات الطبيعية -كما نعرفها- أولوية تاريخية -وربما بيولوجية- للكلام على الكتابة، وهو ما يأخذ به معظم اللغويين.
٣- تعريف هاله "Hall":
ورد عن هاله في كتابه: "Essay on Language" التعريف الآتي: "اللغة نمط اجتماعي منظم يتواصل بها البشر ويتفاعل بها الواحد مع الآخر بواسطة الرموز الاعتباطية المسموعة - المنطوقة المعتاد استخدامها" وفيما بين النقاط التي نلاحظها هنا أولها على الإطلاق: حقيقة ورود كل من "التواصل"، و"التفاعل" في التعريف "ولفظة التفاعل أكثر شمولا من التعاون الواردة في التعريف السابق"، والثاني: إن مصطلح "مسموعة - منطوقة" يمكن أن يكافئ مصطلح "منطوقة" "ولا يختلف عنه إلا في إشارته إلى السامع والمتكلم على حد سواء "أي: إلى المرسل والمستقبل للرموز المنطوقة التي نتعرف عليها بوصفها أقوالا لغوية"، ويتعامل هامة مع اللغة- مثل سابير- على أنها نظام إنساني إنساني بحت، ومصطلح نمط اجتماعي منظم يوضح صراحة وجهة النظر إلى تذهب إلى أن اللغة التي يستخدمها مجتمع بعينه جزء من ثقافته، ومرة أخرى اختصت خاصة الاعتباطية من ضمن مجموعة الخصائص بملاحظة موجزة.
وأكثر العناصر الواردة في تعريف هاله أهمية -رغم ذلك- استخدامه مصطلح "معتاد استخدامها" وثمة أسباب تاريخية لهذا الأمر فلقد تأثر كل من
1 / 6
علم اللغة، وسيكولوجية اللغة بنظريات السلوكيين في المثير والاستجابة تأثرا قويا حوالي ثلاثين عاما لا سيما في أمريكا، واكتسب مصطلح "عادة" في الإطار النظري للسلوكية دلالة خاصة إلى حد ما، وقد استخدم هذا المصطلح للإشارة إلى جوانب سلوكية يمكن تمييزها بالاستجابات التي تقابل مثيرات معينة كما يمكن التنبؤ بها إحصائيا، وكثير مما لا نعتقد فيه عادة أنه "عادة" يقع في إطار مصطلح السلوكيين، وكثير من الكتب الأساسية في علم اللغة تعكس هذا الاستخدام التخصصي إلى حد ما مع ما تختاره وتلزم نفسها -على الأقل- بشكل أو بآخر من أشكال نظرية المثير والاستجابة الخاصة بالسلوكيين فيما يتصل بالاستخدام اللغوي واكتساب اللغة، ومن المقبول الآن بشكل عام أن هذه النظرية إن لم تكن قابلة للتطبيق تماما فإمكانية تطبيقها محدودة للغاية في علم اللغة وسيكولوجية اللغة على حد سواء.
ومن المفترض أن هاله يعنى باللغة "الرموز" الإشارات المنطوقة التي تنتقل بالفعل من المرسل إلى المستقبل في عملية الاتصال والتفاعل، وأصبح واضحا الآن أنه ليس هناك معنى لمصطلح "عادة" -بالمعنى التخصصي أو غير التخصصي- تكون أقوال اللغة فيه عادات أو مؤسسة من خلال العادات؟ وإذا كانت كلمة رمز لم تستخدم للدلالة على أقوال اللغة فحسب ولكنها استخدمت كذلك للدلالة على الكلمات والعبارات التي تكونها فإنه سيظل من الخطأ أن تتضمن أن المتكلم يستخدمها كلون من العادات في مناسبات خاصة بها، ومن أكثر الحقائق أهمية عن اللغة أنه لا توجد -بصفة عامة- علاقة بين الكلمات والسياقات التي تستخدم فيها للدرجة التي يمكن أن نتنبأ بذكر كلمات معينة -مثلما يمكن أن يتنبأ به عن السلوك المعتاد- من السياقات نفسها، فعلى سبيل المثال لا ننطق عادة قولا يتضمن كلمة طائر كلما وجدنا أنفسنا في موقف نرى فيه طائرا
1 / 7
مع أنه أكثر السياقات مدعاة لذكر هذه الكلمة وعليه فإن اللغة كما سنرى بعد استجابة حرة.
٤- تعريف روبنز "Robins"
لم يقدم لنا روبنز "١٤.٩: ١٩٧٩a" تعريفا للغة مطابقا للمواصفات فقد كان على حق حين رأى أن مثل هذه التعريفات "تتجه نحو الابتذال وعدم الفائدة ما لم تفترض سلفا بعض النظريات العامة في اللغة وفي التحليل اللغوي" لكنه صنع قائمة من الحقائق البارزة "الواجب أخذها في الاعتبار لدى أية نظرية جادة وهادفة" وناقشها، وقد ذكر في الطبعات المتتابعة لهذا الكتاب القيم أن اللغة نظام من الرموز: يتأسس معظمها على العرف البحت أو الاعتباطي غير أنه أكد تأكيد خاصا على مرونة تلك الرموز وقابليتها للتغير والتكيف، وربما لم تكن هناك مخالفة منطقية بين الرأي الذي يذهب إلى أن اللغات نظم للعادة "مع تفسير العادة بالمعنى الخاص" والرأي الذي أوضحه روبنز، ونظام العادة -رغم كل ما يمكن إدراكه- يتغير عبر الزمن بما يتفق مع الاستجابة لتغير احتياجات مستخدميه، لكن مصطلح "عادة" ليس مصطلحا من المصطلحات التي نربطها عادة بالسلوك القابل للتعديل والتكيف، وسنكون في حاجة إلى التركيز على فكرة الممدودية غير المحدودة فيما بعد، وسنرى حينئذ أنه يجب أن نفصل بين ممدودية نظام ما وقدرته على التحوير وممدودية مخرجات هذا النظام وقدرتها على التحوير، ومن الأهمية كذلك أن ندرك أنه يقدر ما يلقى النظام من عناية فإن بعض أنواع الممدوية والتحويرية -نظريا- أكثر أهمية من غيرها، فعلى سبيل المثال حقيقة أن الكلمات الجديدة تدخل مجموعة مفردات لغة من اللغات في أي وقت من الأوقات أقل كثيرا في الأهمية من الناحية النظرية- من حقيقة أن الأبنية النحوية الجديدة يمكن أن تنشأ-وتنشأ- بمعنى الوقت، وأحد الموضوعات الرئيسية في علم اللغة ما إذا
1 / 8
كانت هناك أية حدود لهذا النوع الأخير من إمكانية التحوير، وإذا كان الأمر كذلك فما هي تلك الحدود.
٥- تعريف تشومسكي "Chomsky":
والتعريف الأخير الذي نقتبسه هنا يثير ملاحظة مختلفة تماما: "من الآن سأعتبر اللغة مجموعة "محدودة أو غير محدودة" من الجمل، كل جملة محدودة من حيث الطول وتتركب من مجموعة محدودة من العناصر" وهذا التعريف مأخوذ من كتاب تشومسكي "Syntactic Structures" الذي أحدث لشره الحركة التي عرفت باسم النحو التحويلي، ويقصد هذا التعريف -بخلاف التعريفات السابقة- تغطية جوانب كثيرة من اللغات الطبيعية، غير أن اللغات الطبيعية كلها- تبعا لتشومسكي- في صورتها المكتوبة والمنطوق لغات حسب تعريفه ما دام لكل لغة طبيعية عدد محدود من الأصوات "وعدد محدود من الحروف الأبجدية على افتراض أنها ذات نظام ألفبائي للكتابة"، وطالما أمكن تمثيل الجمل فيها -والتي ربما كانت غير محدودة- بتتابعات محدودة من هذه الأصوات "أو الحروف"، ومهمة اللغوي أن يصف لغة طبيعية ما حتى يمكن التمييز بين العناصر المتتابعة المحدودة التي يمكن اعتبارها جملة والتي لا يمكن اعتبارها كذلك، وهي أيضا مهمة اللغوي النظري الذي يفسر سؤال: "ما اللغة؟ " كما لو أن معناه: "ما اللغة الطبيعية؟ " ليكتشف -إن استطاع- الخصائص البنيوية -إن وجدت- التي تتميز بها اللغة الطبيعية عن تلك التي تقابلها وتسمى لغة غير طبيعية.
وما اعتقده تشومسكي وأكد عليه بشكل متزايد في عمله الأخير ليس حقيقة وجوده هذه الخصائص البنيوية فحسب، ولكن كونها تجريدية ومعقدة
1 / 9
كذلك، وأنها خاصة بدرجة عالية لأداء أغراضها حتى إنه قد لا يمكن بدء تعلمها بعد الفترة التي يواجه فيها الطفل الصغير مشكلة اكتساب لغته القومية ويجب أن تكون معروفة للطفل بدرجة ما بشكل سابق عن خبرته بأي لغة طبيعية ومستقل عنها، ومستخدمة منه في عملية اكتساب اللغة، ولهذا يتمسك تشومسكي بوجهة النظر هذه حتى إنه ليصف نفسه بأنه عقلاني أكثر منه تجريبي، وسنعود مرة أخرىإلى هذا القضية "انظر ٧ - ٤".
وتعريف تشومسكي اللغة المقتبس هنا يختلف كثيرا عن التعريفات الأخرى من حيث المحتوى والأسلوب، فهو لا يذكر شيئا عن الوظيفة الاتصالية الخاصة باللغات الطبيعية واللغات غير الطبيعية، ولم يذكر شيئا عن الطبيعية الرمزية لعناصرها أو لتتابعاتها، وغايته أن يركز الانتباه على الخصائص البنيوية البحتة للغات وعلى فكرة أن هذه الخصائص يمكن أن تبحث بطريقة واضحة وضوح الرياضيات، وإسهام تشومسكي الرئيسي في علم اللغة أنه أعطى تأكيدا خاصا على ما يطلق عليه تبعية البنية "dependence strueture العمليات التي تتركب من خلالها الجمل في اللغات الطبيعية، وأنه صاغ نظرية عامة في النحو تأسست على تحديد خاص لهذه السمة "أنظر: ٤ - ٦".
والتعريف الخامس الذي اقتبسناه من قبل وناقشناه باختصار يعمل على إدخال بعض الخصائص التي جعلها بعض اللغويين سمات جوهرية للغات التي تعرفها، ويتبنى معظم اللغويين وجهة النظر التي تذهب إلى أن اللغات نظم من الرموز التي صممت لغرض الاتصال، وهو ما سنراه في القسم المعنون بوجهة نظر سيمولوجية، وعلم الإشارة كما سنرى فرع علمي يختص ببحث السلوك الرمزي والاتصال، والقضية التي تعنينا في هذه النقطة ما إذا كانت
1 / 10
هناك خاصة بسيطة أو مجموعة من الخصائص التي تميز اللغات الطبيعية عن النظم الإشارية الأخرى، وبعض الخصائص التي ذكرناها هنا- الاعتباطية والمرونة، والقدرة على التحوير، والتحرر من تحكم الإثارة، وتبعية البنية، وستضاف إلى هذه الخصائص خصائص أخرى في سياقها المناسب١ وسنتناول العلاقة بين اللغة والكلام في "١ - ٤".
_________
١ أضاف دافيد كريستال في "المعجم الأساسي لعلم اللغة وعلم الأصوات" خاصة أخرى للغة الإنسانية وهي إمكانية التعلم وتشير إلى أن أي لغة يمكن من حيث المبدأ أن يكتسبها أي طفل عادي متى أخذ فرصته لذلك:
ثالثا: السلوك اللغوي والنظم اللغوية قد حان الوقت -على كل حال- لرسم المميزات الضرورية للمعنى الواقع في إطار مصطلح لغة، وقد سبق لي أن أشرت إلى الفارق بين اللغة بصفة عامة "وهو ما يشير إليه المصطلح الفرنسي "Langage"" واللغة المعينة "وهو ما يشير إليه المصطلح الفرنسي "Langue""، وبالمثل نجد الصفة من هذا المصطلح لغوي١ "Linguistie" غامضا كذلك "حتى عندما يكون من الممكن تعلقه باللغة أكثر من علم اللغة" فعلى سبيل المثال عبارة "القدرة اللغوية" التي استخدمها تشومسكي، وتابعه آخرون للإشارة إلى اتقان شخص ما للغة _________ ١ يمكن أن يستخدم هذا الوصف على النحو التالي: ١- الصفة من كلمة "لغة" "Language"كما في الفلسفة اللغوية "Linguistic philosophy"والمهارة اللغوية "Linguistic skill"والأقلية اللغوية "Linguistic minority". ٢- الصفة من "علم اللغة" "Linguistics" وذلك كما في التحليل اللغوي "Linguistic & ualysis"والحدس اللغوي "Linguistic intuition"، والأطلس اللغوي "Linguistic atlae"
ثالثا: السلوك اللغوي والنظم اللغوية قد حان الوقت -على كل حال- لرسم المميزات الضرورية للمعنى الواقع في إطار مصطلح لغة، وقد سبق لي أن أشرت إلى الفارق بين اللغة بصفة عامة "وهو ما يشير إليه المصطلح الفرنسي "Langage"" واللغة المعينة "وهو ما يشير إليه المصطلح الفرنسي "Langue""، وبالمثل نجد الصفة من هذا المصطلح لغوي١ "Linguistie" غامضا كذلك "حتى عندما يكون من الممكن تعلقه باللغة أكثر من علم اللغة" فعلى سبيل المثال عبارة "القدرة اللغوية" التي استخدمها تشومسكي، وتابعه آخرون للإشارة إلى اتقان شخص ما للغة _________ ١ يمكن أن يستخدم هذا الوصف على النحو التالي: ١- الصفة من كلمة "لغة" "Language"كما في الفلسفة اللغوية "Linguistic philosophy"والمهارة اللغوية "Linguistic skill"والأقلية اللغوية "Linguistic minority". ٢- الصفة من "علم اللغة" "Linguistics" وذلك كما في التحليل اللغوي "Linguistic & ualysis"والحدس اللغوي "Linguistic intuition"، والأطلس اللغوي "Linguistic atlae"
1 / 11
ما تعني في الإنجليزية الدارجة -بالإضافة إلى الدلالة التي يقصدها تشومسكي وأتباعه- القدرة أو السهولة التي يمتلكها شخص ما لاكتساب اللغة عموما وليس لاكتساب لغة بعينها "وعندما تستخدم كلمة لغة استخداما وصفيا في الأسماء المركبة تخضع للنوع نفسه من الغموض انظر: القدرة اللغوة: "Language competence" واكتساب اللغة "Language acquisition" ومن المعتاد ألا يكون لهذا اللبس أثر إذ يتحدد وفقا للسياق وسأفصل بين المعنيين كلما كان ذلك ضروريا.
وحتى تستخدم لغة واحدة بعينها دون لغة أخرى عليك أن تسلك طريقا دون آخر، وكل من اللغة -عموما- واللغات المعينة يمكن أن ينظر إليها على أنها سلوك أو نشاط بعض هذا السلوك أو النشاط- على الأقل- يمكن ملاحظته وتعرفه بوصفه سلوكا لغويا ليس من قبل المراقبين المشاركين "أي: المتكلمين والمستمعين بقدر ما نحصر اهتمامنا في اللغة المنطوقة" فحسب، ولكن أيضا من قبل المراقبين غير المشاركين حينئذ في ذلك السلوك الاتصالي المشترك على وجه الخصوص، وفوق هذا فإن جوهر السلوك اللغوي ينبغي أن يكون بصفة عامة إن لم يكن في كل مناسبة هو الاتصال، وقد يكون من الممكن للمراقبين من الخارج أن يتعرفوا موضوع السلوك اللغوي حتى لو لم يكونوا على معرفة باللغة المعينة المستخدمة ولم يكن في مقدورهم تفسير الأقوال التي تعد نتاج السلوك موضع الملاحظة.
إذن يمكن أن ينظر إلى اللغة -وبشكل مبرر بما فيه الكفاية- من وجهة نظر سلوكية "وليست بالضرورة هي وجهة نظر المدرسة السلوكية"، غير أن اللغة -عموما- واللغات المعينة يمكن أن ينظر إليها من زاويتين أخريين على الأقل، ترتبط إحداهما بالتحديد الاصطلاحي الذي رسمه تشومسكي فيما بين
1 / 12
القدرة، والأداء، وترتبط الأخرى بمميز يختلف إلى حدما رسمه دي سوسير في اللغة الفرنسية مع مطلع هذا القرن بين اللغة "Langue" والكلام "parole"
وعندما نقول: إن أحد الأفراد يتكلم الإنجليزية فإننا نعني أحد أمرين: إما أنه يشترك عادة أو عرضا في هذا النوع المعين من السلوك أو أن لديه القدرة على الاشتراك في هذا النوع "سواء أكان يستخدمها أم لا"، ونشير إلى الأمر الأول بما يسمى الأداء ونشير إلى الأمر الثاني بما يسمى القدرة، ونستطيع أن نقول إن الأداء يفترض سلفا القدرة بينما لا تفترض القدرة سلفا الأداء، مع افتراض أن التمييز بين القدرة والأداء متفق عليه نسبيا، وتنسب نقطة أخرى لتشومسكي إذ مهما فسرنا بشكل إجمالي مصطلح "القدرة اللغوية" فمن الواجب أن نلاحظ أن السلوك اللغوي لأشخاص معينين في مناسبات معينة يحدده عوامل أخرى علاوة على القدرة اللغوية، وهناك الكثير ممن تناوله تشومسكي بالشرح المفصل لفكرة القدرة اللغوية تختلف حوله الآراء اختلافا بعيدا، غير أن هذا لا يعنينا في الوقت الحاضر "انظر ٧ - ٤"، ويكفي هنا أن نذكر -تبعا لتشومسكي- أن اللغوي لا يصف عند وصفه لغة معينة الأداء "أي: السلوك" بل يصف القدرة الخاصة بالمتكلمين بها، وبقدر ما تكون هذه القدرة لغوية بحتة يرتكز عليها آداؤهم ويصبح ممكنا من خلالها، فالقدرة اللغوية لشخص ما هي معرفته بلغة معينة، ومن هنا كان اهتمام علم اللغة بتمييز المحددات الخاصة بالقدرة اللغوية وتقديم تفسير نظري مقنع لها، وهو ما يصنف تبعا لتشومسكي إلى فرع علم النفس المعرفي.
والمميز بين اللغة "Langue" والكلام "Parole" -كما رسمه دي سوسير لأول مرة- يشمل عددا من المميزات المستقلة بشكل مقنع، وأكثر هذه المميزات أهمية ما يميز بين ما هو موجود بالقوة وما هو موجود بالفعل من
1 / 13
جهة وبين ما هو اجتماعي وما هو فردي من جهة أخرى "انظر: ٧ - ٣"، وما أسماه دي سوسير لغة "Langue" هو أي لغة معينة تكون ملكية مشتركة لكل أفراد جماعة لغوية معينة "أي: لكل أولئك المسلم بأنهم يتكلمون اللغة نفسها"، والمصطلح الفرنسي "Langue" -وهو كما رأينا- مصطلح بسيط من تلك الكلمات المعتادة التي تحمل معنى اللغة يترك عادة بلا ترجمة في اللغة الإنجليزية عندما يستخدم استخداما اصطلاحيا حسبما عناه دي سوسير، وسأدخل مصطلح النظام اللغوي بديلا عنه وسوف نجعله مقابلا للسلوك اللغوي على الأقل من حيث المبدأ فيما يتصل بثنائية دي سوسير: اللغة والكلام، والنظام اللغوي ظاهرة اجتماعية أو نمط اجتماعي منظم وهي في حد ذاتها تجريدية بحتة ليس له وجود فيزيائي لكنه يتحقق في مناسبات معينة في السلوك اللغوي لأفراد الجماعة اللغوية وعليه فإن ما يسميه تشومسكي القدرة اللغوية لا ينطبق بسهولة كافية على النظام اللغوي بل ينطبق على معرفة المتكلم العادي للنظام اللغوي، غير أن دي سوسير أعطى تأكيدا خاصا للطابع الاجتماعي في النظام اللغوي، ولذلك اعتقد أن علم اللغة أكثر ارتباطا بعلم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي منه بعلم النفس المعرفي، وقد أخذ بوجهة النظر هذه كثير من اللغويين الآخرين، ومع ذلك يتمسك غيرهم بأن النظم اللغوية يمكن بل يجب أن تدرس دراسة مستقلة عن متعلقاتها الاجتماعية والسيكولوجية، وسنعود إلى هذه النقطة في الفصل الثاني ودعنا الآن نذكر ببساطة أنه عندما نقول إن اللغوي يهتم باللغة فإننا نعني ضمنا أنه يهتم أساسا ببنية النظم اللغوية.
1 / 14
رابعا: اللغة والكلام
من المبادئ الأساسية لعلم اللغة الحديث أن اللغة المنطوقة أساسية أكثر من اللغة المكتوبة، ورغم ذلك فإنه لا يعني أن اللغة تطابق الكلام فمن الواجب أن يقيم حدا فاصلا بين الإشارات اللغوية والأداة التي تتحقق من خلالها تلك الإشارات، لذلك فإنه من الممكن أن نقرأ بصوت مرتفع ما هو مكتوب ومن الممكن كذلك أن نكتب ما نقوله ويستطيع المتكلمون المثقفون من أبناء اللغة أن يخبرونا -بصفة عامة- عما إذا كانت عملية تحويل الإشارات اللغوية من وسيلة إلى أخرى قد تمت بطريقة سليمة أم لا، وبقدر حرية اللغة في اتخاذ الوسيلة التي تتحقق من خلالها إشارتها اللغوية سنذهب إلى أن اللغة لها خاصة إمكانية تغيير الوسيلة، وهذه الخاصة ذات أهمية قصوى ولا تتطلب من المرء سوى اهتمام ضئيل في مجال مناقشتنا لطبيعة اللغة، وهي خاصة تعتمد -كما سنرى- على خصائص أخرى وتسهم معها في مرونة النظم اللغوية وقدرتها على التكيف.
إذن كيف تعد اللغة المنطوقة أساسية أكثر من اللغة المكتوبة؟ ولماذ يميل كثير من اللغويين إلى اعتبار أهم الخصائص الواضحة للغات الطبيعية كونها نظما إشارية متطوقة؟
أول هذه الأسباب أن اللغويين رأوا أن من واجبهم تصحيح التحيز الموجود في النحو التقليدي والتعليم التقليدي للغة، فحتى وقت قريب كانت معظم عناية النحويين تكاد تقتصر على لغة الأدب، ويحصل الكلام العامي الدارج على قليل من الاهتمام، وقد كانوا جميعا -عادة- يتعاملون مع معايير الاستخدام الأدبي على أنها معايير الصواب للغة ذاتها، وكانوا يدينون الاستخدام
1 / 15
الدارج فهو بقدر ما يختلف عن الاستخدام الأدبي غير صحيح نحويا أو وضيع أو حتى غير منطقي، وقد حدث تقدم كبير في القرن التاسع عشر في إطار بحث التطور التاريخي للغات، فقد أدرك العلماء بشكل أكثر وضوحا من ذي قبل أن التغييرات في لغة النصوص المكتوبة في مراحل مختلفة -تغييرات مثل التي تمت عبر القرون لتحول اللغة اللاتينية إلى اللغات الفرنسية أو الإيطالية أو الإسبانية- يمكن على سبيل المثال أن تتضح من خلالها التغييرات التي حدثت في اللغة المنطوقة الناظرة للغة النصوص المكتوبة، واستمرارية اللغة الواحدة عبر الزمن وفي المكان الواحد غامض إلى حد بعيد في النصوص المكتوبة في الزمن الماضي والتي جاءتنا عبر الاتجاه المحافظ لتقاليد النساخ في ثقافات عديدة كما جاءتنا عبر الاستخدام المستمر في فترات زمنية طويلة في الوثائق الدينية والقانونية وفي الأدب بأسلوب الكتابة العتيق إلى حد بعيد، وكل اللغات الأدبية العظمى في العالم أخذت -في النهاية- من اللغة المنطوقة لجماعات معينة، وأكثر من ذلك فإنه من قبيل المصادفة التاريخية أن يكون استخدام منطقة أو طبقة اجتماعية أساسا لتطور اللغة الأدبية المشتركة في مجتمعات بعينها، ونتيجة لذلك ينظر الآن للهجات المناطق الأخرى أو الطبقات الاجتماعية الأخرى على أنها كما تكون عادة أقل مرتبة أو دون مستوى اللغة المشتركة أو على أنها أشكال مختلفة للغة، وهو ما يشكل دعامة للانحياز التقليدي في تفضيل اللغة المشتركة في شكلها المكتوب لدرجة تجعل من العسير على اللغوي أن يقنع غير المتخصصين بحقيقة أن اللهجات غير المشتركة -بصفة عامة- ليست أقل نظاما أو اطرادا من اللغات الأدبية المشتركة، وأن لتلك اللهجات معايير الصواب الخاصة بها الكامنة في استخدام متكلميها الأصليين، وأول المهام التي تواجه دارسي علم اللغة، وأكثرها صعوبة أن يكتسبوا القدرة على أخذ
1 / 16
اللغة المنطوقة في الاعتبار في عباراتها الخاصة بها دون الاعتقاد في أن نطق كلمة أو عبارة يحددها أو يجب أن يحددها هجاؤها.
والرغبة في إعادة التوازن من حيث تعاطف البحث المحايد مع الكلام واللغة المنطوقة لا تحقق -بطبيعة الحال- تبني مبدأ أن اللغة المنطوقة أكثر أساسية -وليس ببساطة لا تقل أساسية- عن اللغة المكتوبة، لكن ماذا تعني كلمة أساسية هنا؟ الأولوية التاريخية للكلام على الكتابة لا تفسح مجالا للشك، ولا نعرف أن هناك مجتمعا موجودا أو كان موجودا يوما ما لم تكن لديه القدرة على الكلام، وعلى الرغم من أن اللغات كما نراها اليوم في معظم أنحاء العالم إما مكتوبة أو منطوقة فإن الأغلبية العظمى من المجتمعات كانت إلى وقت قريب أمية تماما أو تسود فيها الأمية، ومع ذلك فالأولوية التاريخية أقل أهمية من الأنواع الأخرى للأولويات التي يتضمنها مصطلح أساسية في هذا السياق وهي الأولوية البنيوية، والأولوية الوظيفية، والأولوية البيولوجية التي يمكن إثباتها.
ويمكن أن تشرح الأولوية البنيوية للغات المنطوقة كما يلي: إننا إذا أهملنا -لحظة- أية اختلافات في الأسلوب يمكن أن توجد بين اللغتين المتناظرتين المكتوبة والمنطوقة، وافترضنا أن كل جملة منطوقة مقبولة يمكن أن تتحول إلى جملة مكتوبة مقبولة، وبالعكس لما كان لدينا سبب يدعونا إلى التفكير في أيهما قد أُخِذ من الآخر إلا أن يكون الأمر حقيقة تاريخية، وتعتمد بنية الجمل المكتوبة على مميزات شكلية يمكن تحديدها، وتعتمد بنية الجمل المنطوقة على مميزات صوتية يمكن تحديدها، وفي الحالة المثلى نظريا الخاصة بالتناظر المباشر الذي يربط بين الجمل المنطوقة والجمل المكتوبة فإن كل جملة مكتوبة ستكون متماثلة في الشكل "أي: لها البنية الداخلية نفسها" مع الجملة المنطوقة المناظرة لها، فعلى سبيل المثال إذا كانت الجمل المكتوبة تستخدم نظام الكتابة
1 / 17