لامرتين في عشرين سنة
1849-1869
كان لويس نابوليون بونابرت يحب لامرتين ويحترمه، فلما قبض على زمام الحكم عرض عليه كرسيا في الوزارة، فرفضه وأنشأ جريدة سماها «مستشار الشعب»، وفي الوقت نفسه كان يبعث إلى الصحف بمقالات سياسية عديدة، ويعد مؤلفا في تاريخ ثورة 1848. ولقد صدر هذا التاريخ في مجلدين كبيرين، ونجح نجاحا باهرا جدا؛ فقد نفد منه خمسة آلاف نسخة بأربعين يوما.
وكان لامرتين في حاجة قصوى إلى المال؛ إذ إنه خرج من الحياة السياسية فقيرا لا يملك ما يسد به عوزه، وقد بلغت ديونه أكثر من خمسة ملايين فرنك! فصور له أن الزعامة الأدبية والسياسية ستعود إليه فتنتقم له من المرجفين.
أما كيف بذر لامرتين الثروة الطائلة التي حصل عليها - ولا ننس أنه ورث عن آبائه أملاكا واسعة، وأن مؤلفاته؛ لا سيما دواوينه الشعرية و«جوسلين» وتاريخ رحلته إلى الشرق، قد أدت عليه أموالا حسده عليها معظم الكتبة حتى فيكتور هيغو نفسه - أما كيف بذر لامرتين هذه الثروة، وانغمس في ديون تبلغ الملايين، فقد اختلف كثيرون على إيضاح هذه النقطة؛ فمنهم من قال إن الدور السياسي الذي مثله قد كلفه مبالغ لا يستهان بها، ومنهم من قال إنه كان يبسط يده إلى درجة الإفراط والتبذير ويعيش عيشة الأمراء والملوك، ولم يكن يمسك كفه عن المساكين فيهبهم بدون ترو ولا حساب؛ على أن المسيو رينه دوميك الذي اهتم بإيضاح هذه النقطة فاستشار بعض وثائق اهتدى إليها، قال: «لقد أغرق البعض في وصف حياة البذخ التي عزيت إلى لامرتين ... فالمؤلف الذي وضعه عن رحلته إلى الشرق قد در عليه أضعاف ما كلفته هذه الرحلة ... على أن سبب فقره وانغماسه في تلك الديون البالغة الملايين يعود إلى تعلقه باقتناء الأملاك وحراثة الأرض، فقد صرف جهودا كبيرة في شراء السهول والحدائق وحراثتها ونقبها، وكثيرا ما كان يبتاع الغلال بأثمان لا توازي أثمانها الحقيقية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان ميالا إلى المقامرة والمضاربة ...»
فالانتين ده سيسيا
عندما توفيت جوليا، وحيدة الشاعر، أسقط في يده واستسلم ليأس شديد، وكان بحاجة إلى أن يسند آلامه إلى قلب يفهمه ويشعر بشعوره، ولقد وجد هذا القلب في ابنة شقيقته فالانتين ده سيسيا التي ولدت في العام 1830، وهو العام الذي صدر فيه ديوان لامرتين الأول «التأملات الشعرية».
وفالانتين ده سيسيا مثلت دورا هاما في حياة خالها الشاعر، فقد لبسته إلى آخر حياته ورفضت الزواج لتبقى بالقرب منه تؤاسيه في مصائبه وتبسم له في لياليه؛ على أن الناس أبوا إلا أن يروا في هذا الحب بين الخال وابنة أخته عشقا مشبوها تناولوه بفلتات الألسن. ولكن أي حرج على الرجل أن يضمر لقريبته حبا صوفيا كذلك الحب الذي أضمره أوديب الملك لابنته أنتيغون؟ إلا أن الفطرة البشرية كثيرا ما تزوغ عن طبيعتها، فتخدع الإنسان وتجنح به إلى الشر.
في العام 1863، عندما توفيت زوجة الشاعر، أراد هذا الأخير أن تكون فالانتين وارثته الوحيدة فتزوجها سرا، وكان أن هذا الزواج أثار الشبهة في عقول الناس فراحوا يؤيدون مزاعمهم الباطلة.
رفائيل
অজানা পৃষ্ঠা