وكان ثمة ما يغري بالبحث والتقصي بشأنهن، وأقصد بذلك بعدهن عن الأمور الأيديولوجية والسياسية؛ مما يضمن منذ البداية عدم الاصطدام باللجنة.
اتجه ذهني على الفور إلى واحدة منهن، دأبت الصحف على نشر أخبارها. وكنت قد شاهدتها بعيني في مرة وحيدة قادتني فيها الصدف إلى الملهى الذي ترقص به، وأعجبني يومها جسدها الفارع الطويل الذي تلاعبت بدلة الرقصة اللامعة بتفاصيله الرائعة بين الكشف والإخفاء، رغم ما اتسمت به حركاتها من مبالغة. ولاحظت أنها تجد صعوبة في إيداع الهبات التي انهالت عليها، بين نهديها المكتنزين. وكان من الواضح أن بدلة الرقص لا تترك في هذا الموضع مكانا كافيا للأوراق العريضة من الجنيهات العشر التي كانت الهبات تتألف منها، وهو أمر تنبهت إليه الدولة أخيرا عندما أصدرت أوراقا من فئة المائة جنيه في أحجام صغيرة ملائمة، مما يقطع بمدى ما لصاحبتنا من ثقل.
فكرت طويلا في الأمر، وقد استمالني أني سأقضي - بحكم الدراسة المقترحة - بعض الوقت بالقرب منها، قد تسمح لي خلاله بارتياد الأماكن المطروقة جيدا من فنها العظيم.
إلا أني لم ألبث أن تخليت عن هذه الفكرة آسفا، عندما تصورت المقاومة العنيفة التي ستواجهني من عضوات اللجنة، والتي ستحظى - دون شك - ببعض المساندة، ولو ظاهريا، من بقية الأعضاء .
عندئذ انتابني شعور بالغ بالإحباط والعجز، ورأيت أني مشرف على الإفلاس والفشل، ولمت نفسي على أني انسقت منذ البداية وراء سراب من الطموح، قادتني إليه ثقة مبالغة بمواهبي، فوضعت نفسي في طريق اللجنة، متعرضا بذلك لمحن متتابعة.
كان هذا منحى تفكيري ذات صباح، وأنا أمر ببصري في غير مبالاة على عناوين الصحف، متوقفا عند بعضها لأقرأ التفاصيل بشعور المرارة الذي يفيض بي عادة عندما أفعل.
لفتت نظري صورة كبيرة بعرض الصفحة الأخيرة، تمثل إعلانا عن بنك أمريكي-عربي جديد، ظهر بها جانب من حفل افتتاحه، وعدد من كبار المؤسسين وجلهم من الشخصيات البارزة.
والذي اجتذب انتباهي على وجه التحديد هو البدلة اللامعة لأحد الذين ظهروا في الصورة. ولم أتعرف عليه في البداية بسبب التمويه الذي تتميز به هذه الصور عادة، إلا أني تمكنت من ذلك بعد أن قرأت أسماء الواقفين بالترتيب.
كان لاسمه الكامل وقع غريب في أذني؛ لأنه كان معروفا لي وللكثيرين بلقب «الدكتور» وحسب. ومع أن بلادنا تعج بالآلاف الذين يحملون هذا اللقب العلمي الرفيع، فإن مجرد ذكر اللقب وحده كان كافيا للدلالة عليه دون سواه.
ظل كل من اسمه ولقبه يتردد في ذهني طول اليوم، ومعهما صورته بالبدلة اللامعة، وبعض الذكريات القديمة، ومنها المرة الوحيدة التي رأيته فيها رأي العين. وكان ذلك منذ خمس سنوات تقريبا عندما توقفت بي سيارة أجرة أمام إشارة المرور في ميدان رمسيس، ورأيت الأنظار كلها تتجه إلى سيارة مرسيدس فخمة من أحدث طراز، استقر صاحبنا في مؤخرتها ممسكا بسماعة تليفون. وكان ذلك أمرا عجبا حينئذ؛ لأننا كنا ما نزال قريبي العهد بحرب أكتوبر، ولم نكن قد انفتحنا بعد، وبالإضافة إلى ذلك كانت أغلب التليفونات الثابتة في البلاد عاطلة عن العمل، فما بالكم بواحد متحرك يعمل؟!
অজানা পৃষ্ঠা