ولا شك أن نجاح الكوكا-كولا يرجع أساسا إلى حسن التنظيم، الذي ابتكرت له منذ البداية الشكل الهرمي، حيث توجد الشركة الأصلية في القمة، وتتتابع تحتها، حتى القاعدة، شركات مستقلة تتولى التعبئة والتوزيع. وقد مكنها هذا الشكل الفريد من الحصول على التمويل اللازم لتغطية السوق الأمريكية في أول عهدها، ثم ساعدها فيما بعد على الإفلات من حملة روزفلت ضد الاحتكارات، وأتاح لها أخيرا أن تغزو العالم.
فهي تعتمد في فتح الأسواق العالمية على إقامة مؤسسات محلية مستقلة في كل بلد، يؤلفها أشهر الرأسماليين به. وقد حققت هذه الخطة نتائج هائلة، ليس أقلها إضفاء الصبغة الوطنية على الزجاجة الأمريكية.
ولعلكم سمعتم بقصة الياباني الذي تمايل طربا عندما قدموا إليه زجاجة كوكا-كولا في أحد مطاعم باريس؛ إذ ظن أن إدارة المطعم كرمته بصفة خاصة فأحضرت له مشروبه القومي بالطائرة من طوكيو.
ولمزيد من الدلالة على ما لهذه الزجاجة من خطر، فإني أحيلكم أيها السادة إلى المقال الذي نشرته جريدة «الموند ديبلوماتيك» الفرنسية المعروفة في عدد نوفمبر (تشرين الثاني) 1976م، وذكرت فيه أن رئيس شركة الكوكا-كولا هو الذي أعد - منذ زمن بعيد - وبالاشتراك مع عدد آخر من رؤساء الشركات الأمريكية الضخمة، جيمي كارتر، ليكون مرشحا لرئاسة الولايات المتحدة.
ويقول المقال - الذي قرأتموه ولا شك - إن رؤساء الشركات المذكورة كونوا لجنة من عشرة سياسيين - بينهم الرئيس الأمريكي نفسه ونائبه والتر مونديل - لتمثيل الفرع الأمريكي لما يسمى ب «اللجنة الثلاثية» التي أسسها عام 1973م دافيد روكفلر، وتولى إدارتها حتى فترة قريبة جدا البروفسور زيجنيو برجينسكي مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي. أما لماذا سميت اللجنة بالثلاثية؛ فلأنها تجمع أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية واليابان في هدف محدد هو مواجهة العالم الثالث وقوى اليسار في أوروبا الغربية.
وإذا كان هذا هو نفوذها على أكبر وأغنى دولة في العالم، فلكم أن تتصوروا وضعها في بلدان العالم الثالث، وخاصة بلادنا نحن الصغيرة الفقيرة.
والواقع أن من حقنا أن نصدق ما يقال عن هذه الزجاجة البريئة المظهر، وكيف أنها تلعب دورا حاسما في اختيار طريقة حياتنا، وميول أذواقنا، ورؤساء بلادنا وملوكها، بل والحروب التي نشترك فيها، والمعاهدات التي نوقعها.»
خيل إلي أن الوجوم سيطر على اللجنة، وقدرت أن السبب ربما يعود إلى أني - وقد خلب الموضوع لبي - أطلت الحديث أكثر مما يجب، لكني لم ألبث أن أحسست إحساسا مبهما بأني «قد وطأت قدم أحدهم»، وهو تعبير دارج في لغة اللجنة، يستعمل للدلالة على الشخص الذي يرتكب إساءة أو خطأ عن غير قصد.
كنت ما أزال مجردا من بنطلوني وسروالي الداخلي، وجعلني هذا أشعر أني عار تماما أمام اللجنة، ليس فقط بالمعنى المادي للكلمة، وإنما بمعناها المجازي أيضا، وأنني تحت رحمتهم تماما.
لكن أغرب ما في الأمر أن الدقائق الأخيرة أمدتني بإحساس مبهم بأني أستطيع أن أوجه إليهم ضربة ما، أو أرد لهم ضربتهم بصورة ما.
অজানা পৃষ্ঠা