ونظرت إليه في إشفاق كبير؛ ماذا تقول له؟ وكيف تشرح له؟ ترى هل يفهم لو قالت له إن وقت الحب هو أكثر أوقات الحياة رصانة وجدية، وإن أجمل ما في الحب هي تلك اللحظات الرصينة الجادة التي تطفر فيها الدموع، دموع الحب التي تختلط بالألم والفرح والأمل. ولكن هل يمكن لعينيه أن تطفر منهما دموع الحب ؟ تلكما العينان السطحيتان اللتان تتراقصان مبهورتين بكل لون فاقع صارخ؟ تلكما العينان اللتان تنظران إليها فلا تريان إلا سطحهما الخارجي ... البلور؟!
وقالت له في بساطة: إن مظهرك يدل على أنك رجل جاد. - إنني رجل بسيط، بسيط جدا، لا أعقد الأمور. لماذا تحب النساء تعقيد الأمور؟ - ولكني رأيتك في عملك، إنك تبدو فيه رجلا آخر غير الذي يجلس أمامي. - هذا طبيعي؛ ترى هل أكون في عملي وحولي رجال فيهم خشونة، كما أكون وأنا جالس مع فتاة رقيقة حلوة!
قالت: لا أقصد ذلك، وإنما تكون أنت نفس الرجل، وليس رجلا آخر يناقضه.
قال: إنني لا أعرف عن الحب إلا أنه جانب الحياة الجميل المرح! إنه الوعاء الذي ننفض فيه متاعب العمل والكفاح في الحياة.
وتنهدت حكمت في أسى وسكتت، فسمعته يقول: ابتسمي، اضحكي.
وفتحت شفتيها عن ابتسامة هادئة، لكن قلبها كان يجتر فجيعتها في الرجل الذي ظنت أنه رجلها، ولم تكن أول فجيعة في أول رجل، كانت تبحث دائما، وكانت تفجع دائما، ولم تكن تمل البحث، ولم تكن الفجيعة تسلمها إلى اليأس أبدا.
وأسندت رأسها إلى ظهر الكرسي، ونظرت إلى السماء في شرود، وظل يتأملها طويلا ثم قال: لا تظني يا حكمت أنني ألهو بك، إن اللهو شيء والمرح شيء آخر. إني لا أريد أن أصنع من حبي مأساة درامية تذرف فيها الدموع، إنني أريد أن أصنع من حبي قصة مرحة كلها ضحك وابتسام. لا أدري لماذا تبحث النساء عن الآلام دائما؟
وقالت حكمت وهي تنظر إلى السماء: ليس هناك حب بلا دموع. وانفجر صائحا: يا إلهي! إنني لا أطيق منظر الدموع.
وأشار إلى الشجرة المضاءة وقال: انظري إلى هذه الأنوار، انظري إلى هذه الشجرة، انظري إلى الطبيعة الجميلة، إن الحياة جميلة تريد أن تسعد الإنسان، فلماذا يبحث الإنسان عن شقائه وتعاسته؟
وقالت وهي لا تزال تنظر إلى السماء: ولكن الألم أحيانا يسعد النفس والروح، والدموع أحيانا تكون فيها لذة تفوق لذة الابتسام والضحك.
অজানা পৃষ্ঠা