فأجابتها لادياس مغضبة محتدة: لا تقولي الأمير، وقولي الشقي النذل الحقير، وماذا بقي من أمر هذا الخائن الغدار، مما يشغل بال الملك من جهته أو يهمه إلى هذا المقدار، فهو قد كفاني شره حتى لأنا أتمثله من مكاني هذا سوقة ضائعا في مدينة من مدن اليونان، يمد يد السؤال إلى كل إنسان.
وما زال حديث الزواج يسرق البنات، خطواتهن والأوقات، حتى نبههن هجوم المساء، واشتمال الوجود بحلته السوداء، حدادا على الشمس الغريقة في الماء، وعندئذ ارتجلت الأميرة حركة إلى الوراء كالراغبة في الانثناء، فعارضتها الفتاة قائلة: إن وقت الرواح لم يجئ بعد يا مولاتي ونحن قد صرنا من حدبة البحر؛ بحيث تراها أعيننا وهي الغابة العجيبة الشأن، التي لم نرها إلى الآن، فماذا علينا لو مددنا لأرجلنا الخطى، فجئناها فتمتعنا منها بنظرة، ثم نعطي الرجوع من السرعة ما تأخذ منا زيارتها من الوقت؟
فصادفت هذه الدعوة أسرع ملب من طيش البنات، فما زلن بالأميرة يؤيدن عندها هذا الاقتراح، ويذهبن كل مذهب من الإلحاح، حتى أذعنت فسار هذا الملأ الكريم من الملاح، وما هي إلا ساعة مسير بحساب تلك الخطى الخفيفة، وهاتيك الأقدام الناعمة اللطيفة، حتى انفتحت حدبة البحر للبنات، فدخلنها بسلام آمنات، وهي غابة كثيفة متسعة، محدبة كاسمها مرتفعة، وليس فيها ما يبعث العجب، سوى شكلها المائل إلى الحدب، وكانت من أماكن الأمان والاطمئنان، التي لا يخاف من وجودها على إنسان، فلبث الفتيات فيها برهة من الزمان، في لهو ولعب واغتباط وامتنان، فلندعهن وما هن فيه الآن، ولنخض في شان غير هذا الشان.
رجال الزورق
كان في ساموس جانب من الجزيرة مهجور، بعيد عما حوله من المعمور، وكانت فيه كتلة من الصخر هائلة، منحنية على البحر مائلة، وهذه الكتلة فيها غار، سحيق القرار، وكان الأهالي يسيئون به الظنون، ويخلقون في أمره ما يخلقون، ففريق يزعم أنه مكامن الأشقياء، أشقياء الماء، وفريق يحسبه مبيتا لسبع جهنمي من سباع السماء، وعلى كل حال فقد طال ما تهيبوه، وحرمتهم الأوهام أن يقربوه.
ففي ذات يوم أقبل زورق فجرا من طراز زوارق الإمارة، أو هو واحد منها وعليه كما عليها الشارة؛ فرسا هنالك متواريا في الحجارة، ثم صدرت منه بالبوق إشارة.
فأشرف إنسان من الغار ينظر، فخاطبه رجل من الزورق قائلا: خذ ثوبك يا بيروس فالبسه كما لبسنا نحن ثيابنا، ثم إنه شد الثوب بحبل أرسل من الغار فرفعه بيروس إليه، ولم يكن إلا كلمح البصر، حتى ترك بيته وانحدر بكل سرعة وحذر، كما تنزل القردة من أعالي الشجر، فتلقاه أصحابه وفسحوا له فركب فجلس ثم حول الجميع المجاذيف إلى الطريق التي رسموا للزورق أن يسير فيها؛ فاندفع بهم ينساب، في بحر راقد العباب، مأمون المركب على الركاب، وكانوا سبعة رجالا، عراضا طوالا، بهما أبطالا كلهم قد غير شعاره، ولبس للحالة حليتها المستعارة، حتى صار رئيسهم يقول هذا من زوارق الملك وهؤلاء من البحارة.
فلما جد بهم المضي مع الماء، واحتجب بهم الزورق إلا عن العين التي في السماء. قال أحدهم: ألا تعلمون يا إخوان، ما يجري الآن، في مياه اليونان؟
قالوا: بلى، فخبرنا أنت بالخبر، ولا تطل كعادتك، فليس ذا وقت الهذي والهذر، ولا مقام الحكايات والسير التي تصيرها مملوءة بكثرة الأمثال والعبر.
قال: علمت يا إخوان، واللبيب يعلم، ومن لا يستفهم لا يفهم، أن بوليقراط ذاك الطاغية، السياسي الداهية، يعمل الآن عملا يحتذي فيه مثال كثيرين من ملوك اليونان الغابرين، الذين خالفوا الشرف والإباء، وحالفوا لصوص الماء، فاستراحوا وأراحوا الرعية من أذى هؤلاء الأشقياء، وإنها وأيم الحق لمقدرة من بوليقراط القادر، وآية من آيات دهائه النادر، بل ما بال سائر الملوك، لا يسلكون مثل هذا السلوك، فيحتالون ليتخذوا لصوص البحر قوة، مأمولة النفع بعد الضر مرجوة.
অজানা পৃষ্ঠা