وعلى إثر هذه الخطرات جبن البطل وخذلته نفسه الأبية لأول مرة، فسكبت عيناه الدموع وهو يرفعهما نحو سماء الحب ويقول: (أيها الآلهة العظام ثبتوا برحمتكم أقدامي، وأعينوني على رؤية هؤلاء الجلادين) فجاءه هذه المرة أيضا من الكهنة خلف الجند يشيرون بنشيد الموت المحزن الرائع.
وعندئذ أيقن حماس أن الإشارة صادرة للجند لا محالة، فأمسك عن الكلام، وسدد صدره نحو السهام، كمن يستحث الحمام، وفي هذه الأثناء تنحى الجندي الذي أمام حماس، وقال بصوت جهوري رهيب «الملك».
فحين سمع سائر الجند هذه الكلمة، أمالوا الأسلحة وانحنوا بهيئة تعظيم يستعدون لتحية الملك، حتى إذا تراءى شخصه كان حماس أول مؤد للتحية، فأشار أبرياس للجند أن يبتعدوا ففعلوا، ثم قال يخاطب حماس: أعرفت أين أنت الآن يا حماس، أرأيت كيف أمسيت؟
قال حماس: أسير احتيالك يا مولاي، ورهين اغتيالك، فعجل؛ لعلي أستريح من رؤية هؤلاء الجلادين.
قال الملك: ولكني إلى العفو أميل يا حماس.
قال حماس: وهو منك أحرى يا مولاي.
قال الملك: لكن العفو معلق بشروط ثلاثة، فإن تحققت حصل، وإلا فلا سبيل إليه.
قال حماس: وما هي هذه الشروط يا مولاي؟
قال الملك: أن تعترف أولا أنك استوجبت عقوبة الإعدام، بما صرحت به في ساموس من تعلق آمالك بالملك، وسعيك في اغتصاب تاجي وعرشي، وثانيا أن تكتب إلى بوليقراط بأنك لم تعد تطمع في ملك سيدك ومولاك، بل تكتفي بما بلغت إليه في حكمه من رفيع الرتب وعظيم المناصب، وثالثا أن تقسم بالآلهة وبالشرف العسكري أنك لا تخونني ولا تتصدى لإيذاء عرشي، بل تكون له طول حياتك الخادم الأمين، والناصر في الملمات والمعين، وهذا كله بالكتابة وفي هذه الورقة، قال هذا، وقدم للفتى طرسا وقلما ودواة، فتردد حماس بادئ بدء بين قبول هذه الشروط ورفضها، إلا أن البطل لم يلبث أن انخذل، وناب العاشق فامتثل.
فمد حماس يده وأخذ من الملك أدوات الكتابة، ثم كتب جميع ما أملى عليه ووضع اسمه بعد ذلك في أسفل الورقة، ثم دفعها إلى أبرياس، فتناولها فرحا مسرورا، وقرأها فألفاها كل ما طلب وأزيد، فطواها وجعلها في بعض جيوبه، ثم التفت إلى حماس فقال: الآن عفوت أيها القائد، وأعلم أنه لا تمضي أيام قلائل حتى أكون قد نقلت كبير حرسي إلى وظيفة تليق به في الجيش ثم أجعلك مكانه، فتكون قد رقيت في شهر واحد لرتبتين من أسمى الرتب في المملكة، ووليت منصبين من أرفع المناصب فيها.
অজানা পৃষ্ঠা