الحكمة من خلق الإنسان في الأرض وجعله فيها
الدليل الأول: يقول الله ﷾ عند بداية خلقه لنا للملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البقرة:٣٠] والله ﷾ خلقنا في الأرض، قال ﷿: ﴿هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ [هود:٦١] فإذا كان خلق الإنسان وعلم الإنسان وعبادة الإنسان كخلق وعبادة الملائكة فأي فائدة من خلقه؟ ولماذا يوضع على الأرض؟ نقول: إنما وضع الإنسان على الأرض وجُعل فيها خليفة؛ ليتدبر في علوم الأرض، ويُبدع ويستعمر الأرض، وينشأ في الأرض الإنشاءات والعلوم والمخترعات، وليعرف ربه أكثر وأكثر كما سيأتي.
إذًا: الله ﷾ جعلنا خلفاء في الأرض وليس في السماء، ولا بد أن نعرف علوم الأرض ونبدع فيها؛ لنكون خلفاء حق الخلافة في الأرض.
وقال ﷾ للملائكة: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [البقرة:٣١] ما هي هذه الأسماء؟ هل هذه الأسماء هي الصلاة والزكاة والذكر والتسبيح والقيام، وما أعظم هذه الأمور؟ هل هذه الأسماء هي أسماء العبادات المختلفة؟ أبدًا، يقول عبد الله بن عباس ﵄: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [البقرة:٣١] أي قال له: هذا جبل، وهذا سهل، وهذا بحر، وهذه نخلة، وهذه وهذه علمه علوم الأرض، وبذلك أصبح أهلًا ليكون خليفة في الأرض، الملائكة لا تعرف هذه الأسماء؛ لأنها لا تحتاجها، أما الذي يحتاج هذه العلوم فهو الإنسان الذي يعيش على الأرض، ويعبد الله ﷿ على الأرض، وأُمر أن يستعمر الأرض، فهذا من أبلغ الأدلة على أن العلوم الحياتية هي مستندات أو مؤهلات الخلافة في الأرض، فإن فقدت الأمة مؤهلات الخلافة في الأرض فلا بد أن تكون في ذيل الأمم، تظل فترة من الزمان في ذيل الأمم ثم تُستبدل، نسأل الله ﷿ العفو والعافية، فلو أن الناس أهملت علوم الحياة وتركت الغرب والشرق واليهود والمجوس وعباد البقر يقودون العالم ويقودون المسلمين، فالله ﷿ سيستبدل هؤلاء ثم ﴿يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ [المائدة:٥٤].
إذًا: من مصلحتنا أن نقف على الثغرة في هذا الوقت قبل أن يستبدل بنا رب العالمين ﷾.
3 / 6