وكانت فيه نقوش سماوية اللون وحمراء وخضراء، ورسوم ذات ألوان أخرى، وكانت السقوف مزوقة كلها وكذلك الحنايا وباطن العقود وظاهرها، كل ذلك على يد نقاشين أصلهم من البصرة، ومعهم بنو المعلم النقاشون المصريون، الذين تلقى عنهم هذه الصناعة فنانان آخران، هما الكتامي والنزوك، وكان أمام الباب السابع قنطرة قوس منقوش، في باطن عقدها رسم شادروان (سبيل) مدرج، عليه نقوش ورسوم سوداء وبيضاء وحمراء وخضراء وزرقاء وصفراء، إذا تطلع إليها من وقف في سهم قوسها، رافعا رأسه إليها، ظن أن المدرج المزوق كأنه خشب كالمقرنص، وإذا أتى إلى أحد قطري القوس عند تمام نصف الدائرة، ووقف عند أول القوس منها، ورفع رأسه رأى أن النقوش مسطحة لا نتوء فيها، وإنما إتقانها وإبداعها هما اللذان يسببان هذا الوهم، وكان مثل هذا العمل من آيات الفن عند النقاشين حينئذ. أما الذين صنعوا نقوش هذا العقد فهم بنو المعلم، وكان سائر النقاشين يأتون إليها، ويحاولون عبثا أن يصنعوا مثلها.
13
ومهما يكن من شيء فإن الكلام عن النقوش في جامع القرافة ساق المقريزي إلى ذكر ما حدث لقصير وابن عزيز في أيام اليازوري، وكان هذا الوزير الجليل يعمل على إذكاء نار المنافسة بينهما، ويحرض كل منهما على الآخر، فقد كان قصير مصريا له كفاية وغناء عظيمان في صناعتي النقش والتصوير؛ ولكن أصابه العجب والغرور، وأخذ يشتط في أجرته، فأراد اليازوري أن يخفف من غلوائه، وأرسل فاستدعى ابن عزيز من العراق؛ ليكون منافسا خطيرا له. وفي الحق أنه لم يكن يقل عنه حذقا ومهارة، حتى شبههما المقريزي بابن مقلة وابن البواب في صناعة الخط، وحدث أن جمعهما اليازوري يوما في مجلسه، وقال ابن عزيز: «أنا أصور صورة إذا رآها الناظر ظن أنها خارجة من الحائط.» فقال قصير: «لكن أنا أصورها فإذا نظرها الناظر ظن أنها داخلة في الحائط.» فقال الحاضرون: هذا أعجب. وأمر اليازوري المصورين أن يصنعا ما وعدا به. فرسما الصورتين في حنيتين متقابلتين، وكان رسم قصير راقصة بثياب بيض، فوق أرضية الحنية التي دهنها باللون الأسود؛ فظهرت الراقصة كأنها داخلة في الحنية، بينما كان رسم ابن عزيز راقصة بثياب حمر، فوق أرضية الحنية التي دهنها باللون الأصفر، فظهرت الراقصة كأنها بارزة من الحنية، فاستحسن اليازوري ذلك وخلع عليهما كثيرا من الذهب.
14
وذكر المقريزي أن دار النعمان بالقرافة كان فيها صورة سيدنا يوسف في الجب، وهي من عمل المصور الكتامي، وتمثل يوسف عاريا، ولون الجب أسود يخيل معه الناظر أن جسم يوسف باب مفتوح فيه.
15
وقد مر بنا ذكر الخيمة التي صنعت لليازوري، والتي كانت زخرفتها تمثل صور جميع الحيوانات المعروفة، على أن تزيين الخيام بالصور المختلفة - إما نسجا في قماشها أو نقشا عليه - لم يكن مما أحدثه الفنانون في العصر الفاطمي، فقد وصلتنا قصيدة للمتنبي قالها يمدح سيف الدولة عند رجوعه منصورا إلى أنطاكية بعد حروبه في أملاك الدولة البيزنطية، واستيلائه على حصن برزويه، الذي كان يضرب المثل بمناعته. وفي هذه القصيدة أبيات يصف فيها المتنبي فسطاطا كبيرا أقيم لسيف الدولة، وكان يزينه رسم قيصر الروم أسيرا في يدي سيف الدولة، وحوله كثيرون من الأمراء الروم المهزومين، وكانت حول هذا الرسم صور أخرى لحدائق وحيوانات وطيور. قال المتنبي:
16
عليها رياض لم تحكها سحابة
وأغصان دوح لم تغن حمائمه
অজানা পৃষ্ঠা