1
فأبعد خطر المجاعة؛ ولكنه لم يفلح في استئصال الداء من أساسه، وكان عزله وقتله سنة (450ه/1058م) إيذانا بقيام الفوضى، وبدء المجاعة، وانتشار الوباء، وتعاقبت الوزارات في الحكم ؛ دون أن يكون لها من النفوذ ما تكبح به الجند من الترك والبربر والسودان، فقاموا بكثير من أعمال السلب والنهب، والعنف والشدة، وكانت أم الخليفة
2
تتخذ الجنود السودانية عونا لها، وأداة لفرض إرادتها، وكان الجنود الأتراك يأخذون عليها هذا،
3
واستطاعوا أن يزيدوا نفوذهم حتى تمكنوا برئاسة زعيمهم ناصر الدولة من طرد غرمائهم من السودانيين إلى الصعيد، بعد أن هزموهم سنة (454ه/1062م) في واقعة كوم الريش، فعاثوا فيه فسادا وخلا الجو للترك، فقاموا بشيء كثير من أعمال العنف والشدة، ونهبوا قصور الخليفة والمخلصين له، وأخذوا ما كان فيها من تحف فنية، وأحجار كريمة، وبددوا ما كانت تفخر به من مخطوطات ثمينة.
والعجيب أن المقريزي يذكر ما يشعر بأن الحكومة كانت تغض الطرف عما ينهبه الجند من قصور الخليفة؛ لئلا يمتد شرهم إلى الشعب، فيزيدونه بؤسا وشقاء، فلم تعترضه الدولة، ولا التفتت إلى قدر الكنوز التي كانوا ينهبونها؛ بل جعلتها - على حد قول المقريزي - هي وغيرها فداء لأموال المسلمين، وحفظا له في منازلهم.
4
ولعل الحكومة كانت تبغي بسكوتها هذا أن تنفي شر ثورة الشعب، وقيام حرب أهلية، تهلك الحرث والنسل.
ولكن مصر كان مقضيا عليها بالبؤس في ذلك الحين، وانقطعت عن أسواق القاهرة المواد الغذائية التي كانت ترد إليها من الأقاليم، وغدت منعزلة عن بقية أجزاء البلاد؛ إذ بينما كانت السيادة فيها للجند التركية، كان الصعيد في يد السودانيين، وكانت الإسكندرية وجزء كبير من الدلتا في يد فريق آخر من الجند التركية تساعدهم قبائل من العرب والبربر،
অজানা পৃষ্ঠা