موقفهم في إنفاق المال
موقفهم من قضية إنفاق المال في سبيل الله، هذا المال الذي غرس حبه في قلب الإنسان: ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا﴾ [الفجر:٢٠]، ويقول ﷾ في حق المال: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ [العاديات:٨]، أي: أن الإنسان يجب المال حبًا شديدًا جدًا، والله سبحانه هو الذي خلقه على هذه الصورة، لكن مع هذا طلب منه أن يدفع هذا المال في سبيل الله ﷿، ولو كان حب المال يسيرًا على النفوس لم يكن ذلك اختبارًا، لكن الله سبحانه زرع في النفس حب المال، حتى لو طلبه منك ودفعته تكون بذلك مؤمنًا بالله ﷿، واسمع إلى هذا الموقف العظيم لأحد الصحابة، وكيف كان بذلهم للمال في سبيل الله ﷿؟ فيقول عبد الله بن مسعود ﵁ وأرضاه: (لما نزل قول الله ﷿: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة:٢٤٥]، سمع أبو الدحداح الأنصاري ﵁ وأرضاه هذه الآية -وكأنها وقعت في قلبه لا في أذنه-، فأسرع إلى الرسول ﷺ وقال له: يا رسول الله! وإن الله ﷿ ليريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح!)، وانظر إلى إجابة الرسول ﷺ، فلا توجد تفصيلات ولا محاورات ولا جدالات ولا ندوات، ولم يعد يسأل أبو الدحداح بعدها، فهو قد عرف أن الله يريد من عباده قرضًا أو صدقة أو زكاة، ولماذا الله ﷾ استخدم لفظ القرض؟ هذا لم يشغل أبا الدحداح ﵁ وأرضاه، وإنما كان الشاغل له العمل: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [البقرة:٢٨٥]، فهو قد شغل بالطاعة ﵁.
قال أبو الدحداح -في نفس المجلس وهو ما زال قاعدًا مع الرسول ﷺ: (أرني يدك يا رسول الله! قال - عبد الله بن مسعود راوي الحديث-: فناوله يده، قال أبو الدحداح: فإني أقرضت ربي حائطي)، فقد كانت لديه حديقة كبيرة، فتصدق بها كلها، يقول عبد الله بن مسعود ﵁ وأرضاه: وحائطه فيه ستمائة نخلة.
ففي لحظة واحدة سمع آية واحدة من آيات الله ﷿ فدفع ستمائة نخلة، (وأم الدحداح فيه وعيالها)، أي: ما زالت أم الدحداح ساكنة داخل الحائط، وكذلك أبناء أبي الدحداح جالسين داخل الحائط، (فجاء أبو الدحداح فناداها: يا أم الدحداح! قالت: لبيك! قال: اخرجي من الحائط؛ فإني أقرضته ربي ﷿، وتأمل إلى أي درجة كان عندهم العمل، فلا تسويف، ولا تأجيل، ولا تأويل، وإنما منهج السماع للطاعة، ونتمنى أن نتعلم هذا المنهج من أبي الدحداح ومن غيره من صحابة رسول الله ﷺ: السماع للطاعة: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [البقرة:٢٨٥].
وتأمل وانظر على النقيض من ذلك رد فعل اليهود لنفس الآية: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ [البقرة:٢٤٥]، قالوا: ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير.
أعوذ بالله! معنى قولهم: نحن لسنا محتاجين إلى الله ﷾، فنحن أغنياء وهو فقير إلينا ما دام أنه يطلب منا قرضًا؛ فانظر إلى فقه بني إسرائيل وما فيه من الضلال والكفر والضياع، ثم يكملون ويقولون: وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، يطلب منا أن نرجع إليه ونتوب ونحن لا نأبه لذلك، وإنا عنه لأغنياء وما هو عنا بغني، ولو كان عنا غنيًا ما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم -يعني: النبي ﷺ ينهاكم عن الربا ويعطيناه.
أي: أن الله ﷾ يطلب منكم القرض، وسيرجعه لكم أضعافًا كثيرة، فهذا هو الربا، فانظر إلى أين وصل الفهم لدى اليهود؟! فهؤلاء هم اليهود، ولذلك عندما ترى شارون أو غيره وترى عمله لا تستغرب، فقد كان أجدادهم يفعلون هذا الفعل في وجود النبي ﷺ، فما بالك بالأحفاد وفي غير وجود الرسول ﷺ.
إذًا: هذه قضية من قضايا الحياة التي نعيش فيها كلنا، إنها قضية الإنفاق ودفع المال في سبيل الله ﷿، وانظر إلى هذا الصحابي كيف تعامل مع الآية الخاصة بالإنفاق.
6 / 6