أول الطريق الإخلاص
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فهذه هي الحلقة الرابعة من مجموعة: كن صحابيًا، وقد تحدثنا في الدروس الثلاثة السابقة عن جيل الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، فتحدثنا في الدرس الأول عن صفة هذا الجيل العظيم، حيث أنه خير الناس وخير القرون، وتحدثنا أيضًا عن هذا الجيل الذي رأى النبي ﷺ وعاش معه وتحدث إليه وتعلم منه مباشرة، ثم نقل الرسالة بأمانة إلى من بعده بعد وفاة رسول الله ﷺ، وما زلنا إلى اليوم ننعم بنقل الصحابة لهذا الدين إلينا.
كما تحدثنا في الدرس الثاني عن موضوع بعنوان: (القابضون على الجمر)، فتحدثنا فيه عن إمكانية تقليد جيل الصحابة، لأن بعض الناس تُحبط من تقليد جيل الصحابة؛ لأنه جيل عال جدًا! ونحن نقول: إن هذا الجيل جيل قدوة، فنستطيع أن نقلده، نعم الذي يقلده ويعمل بسيرته فكأنه قابض على الجمر، لكنه في المقابل كما ذكر رسول الله ﷺ يأخذ مثل أجر خمسين من صحابته ﷺ.
وفي الدرس الثالث تحدثنا عن صناعة الإنسان في الإسلام، وكيف كان الصحابي يتحول من إنسان ليس له أي طموح في الدنيا غير الملذات الشخصية وغير حياته الخاصة إلى إنسان يحمل هم هذا الدين على عاتقه، ويحمل هذه الدعوة إلى ربوع الأرض، وتحدثنا أيضًا عن أمثلة للصحابة الكرام وكيف أسلموا، وكيف انتقلوا من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام، وذكرنا أن بدايات الصحابة كانت صعبة، بل هي أصعب من بداياتنا ولا شك، لأن الصحابة كانوا يعبدون إلهًا غير الله ﷿، ونحن بحمد الله ولدنا مسلمين، فالأب والأم عند الصحابة كانوا من الكفار، ونحن والحمد لله الآباء والأمهات من المسلمين المؤمنين، وانتقال الصحابة من الكفر إلى الإيمان اختبار صعب جدًا، ونحن والحمد لله لم نتعرض إلى هذا الاختبار الصعب، فانتقالنا من عدم الالتزام بهذا الدين إلى الالتزام به لا شك أنه أسهل من انتقال الصحابة مما كانوا عليه إلى ما وصلوا إليه.
ونحن في هذه المجموعة من المحاضرات ومنها هذه المحاضرة إن شاء الله سوف نأخذ في كل محاضرة بصفة من صفات الصحابة، أو معنى من المعاني التي مارسها الصحابة في حياتهم، وننظر كيف كانوا يفهمونه؟ وكيف تحركوا بهذا المعنى في حياتهم؟ وهو هذا الطريق الذي مشى فيه الصحابة ووصلوا فيه إلى ما وصلوا إليه من نعيم الله ﷿ في الآخرة كما قال الله ﷿: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة:١٠٠].
إذًا لا بد أن نكون في هذه الدروس عمليين، فنريد أن نعرف كيف من الممكن أن نقلد جيل الصحابة، وكيف من الممكن أن نمشي في نفس الطريق الذي مشوا فيه؟ وفي هذه المحاضرة سنحاول أن نضع أيدينا على أول الطريق الذي سار فيه الصحابة، وسنتحدث عن أهم صفة من صفات الصحابة، وهو شيء مهم جدًا كان يميز جيل الصحابة، وأنا أعتبر هذا الشيء هو أهم شيء في حياة الصحابة مطلقًا، إذ لا يمكن أن يكون هناك مؤمن بغير هذا الشيء وبغير هذه الصفة، بل ولا يمكن أن يُقبل عمل بغير هذه الصفة، إذ أن هذه الصفة صفة خطيرة، هذه الصفة هي: صفة الإخلاص لله ﷿، وأنا أعرف أن كل واحد منا سوف يقول: أنا مخلص، أو يعتقد اعتقادًا جازمًا أنه مخلص تمام الإخلاص، لكن كيف كان مفهوم الصحابة عن الإخلاص؟ وكيف استوعب الصحابة هذه الصفة؟ وكيف مارسوا هذه الصفة في حياتهم؟ وقبل أن أبدأ في وصف فهم الصحابة لصفة الإخلاص، أحب أن أذكر أن هذا الدرس من أهم الدروس وأخطرها في حياة المسلم، ولهذا نريد أن نركز ونفهم كل كلمة في الدرس؛ لأن الذي سيسقط في امتحان الإخلاص سوف يسقط في النار، والذي سينجح فيه سيدخل الجنة إن شاء تعالى.
4 / 2