وفضيلة العفة تتطلب من الإنسان القصد في اللذائذ، فإن هو أفرط فانهمك في شهواته، أو فرط فأماتها، وبالغ في الزهد، فقد حاد عن سواء السبيل، خير طريق في الحياة أن ينيل الإنسان نفسه ملذاتها الطيبة، ويعطيها مشتهياتها ما لم تخرج عن حدود الأخلاق، فذلك أدعى إلى نشاطها وأقرب إلى طبيعتها، إنما يجب ألا تتجاوز الحدود الشرعية، ففي داخلها من الملذات ما هو أضمن لسعادة الفرد والمجموع
قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة
وكثيرا ما يكون من المصلحة أن يمنع الإنسان نفسه مما لا بأس به حذرا مما به بأس، كالذي حكى عن بعضهم أنه أشعل لفافة فأحس منها بلذة شديدة فكان ذلك حاملا له على ألا يدخن، وسبب ذلك - على ما يظهر - أنه تخوف من نمو الرغبة عنده في التدخين، وخشي شدة تسيطر العادة عليه فيما بعد، وكان إحساسه اللذة علامة هذا الخطر فتركه.
وأشير هنا إلى مبدأ الأستاذ «جيمس» القائل: بأنه يجب أن نحافظ على قوة المقاومة، ونتبرع بعمل صغير كل يوم، لا لسبب إلا مخالفة النفس والهوى، فإن ذلك يعيننا على مقاومة المصائب إذا حان حينها.
فليس يقتضي ضبط النفس القضاء على الرغبات والشهوات، وإنما يقتضي تهذيبها واعتدالها، وجعلها خاضعة لحكم العقل، ففي القضاء على الشهوات قضاء على الشخص وعلى النوع، وفي اعتدالها سعادتهما جميعا.
أهم أنواع ضبط النفس (1)
ضبط النفس عن الغضب:
فمذموم أن يكون الإنسان سريع الغضب يخرج عن عقله للكلمة الصغيرة والسبب الحقير، وليس الغضب بالخطأ دائما، فهناك حالات يمدح فيها، فلو رأيت شابا يعذب صغيرا لم يجن جناية، أو ضعيفا لا يستحق عذابا، أو حيوانا لا حول له ولا حيلة، فحق أن تغضب، كذلك طبيعي أن يغضب الإنسان إذا عومل معاملة لا تتفق وشرفه أو نحو ذلك، فلا بد له من الغضب ليدرأ عن نفسه أو غيره الظلم.
ولكن هذه الحالات قليلة إذا قيست بغيرها من حالات الغضب، فأكثر حالاته رذيلة مذمومة، ولذلك عد رذيلة، وعد ضبط النفس عنه فضيلة.
وأكثر ما يدفع الإنسان إلى الغضب أثرته وحبه الشديد لنفسه، وكثرة التفكير في حقوقه، فيتخيل فيما لا يغضب احتقارا له ونيلا منه، وكثيرا ما يستسلم لغضبه فلا يعي ما يقول، ولا يعقل ما يفعل، ويظن أنه بذلك يظهر بمظهر المحترم لنفسه، المحافظ على كرامتها، وهو إنما يظهر بمظهر الطائش الأحمق.
অজানা পৃষ্ঠা