ومتى اقتنع الإنسان بخيرية التضحية وجبت عليه، ذلك لأنه عضو من جسم كما بينا، فليس من الحق أن يستأثر باللذائذ ويتمتع بالراحة التامة والناس من حوله ألمون متعبون، كما لا يستأثر عضو بكل الغذاء ويترك سائر الأعضاء تتضور جوعا.
وسير عظماء الرجال مملوءة بالشواهد على التضحية، ولا تكاد تجد عظيما لم يضح كثيرا، إما لنشر مبدأ يخالف فيه الرأي العام أو لانقاذ أمته من ضرر يلحقها، أو لتخليص عقائد دينية مما دخل عليها من التغيير، أو لتحقيق مسألة علمية كثر فيها البحث والجدال، أو لاستكشاف نافع يزيد في سعادة الناس. وهذه التضحية هي التي تكونهم، وهي سر عظمتهم، فإن ما يبذلون في حياتهم من الجهد لتذليل الصعاب التي تعترضهم، وما يتحملونه من العناء للتغلب عليها ينمي ملكاتهم ويعودهم الصبر على المشاق لنيل أغراضهم، أما من يستسلم للنعيم ويخلد إلى الراحة فمحال أن يكون عظيما.
ولنذكر الآن أهم الواجبات: (2-1) الواجبات على الإنسان لله
في العالم قوة خفية تحركه، وتدير شؤونه، هي علة وجوده وبقائه، وهي سر ما نشاهد من نظام دقيق وقوانين لا تتخلف، وظواهر تتتابع بانتظام، نجوم قد دق نظام سيرها
لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون
وفصول تتعاقب بدقة تستخرج العجب، ونباتات وحيوانات جلت حياتها عن الوصف - هذه القوة هي لله رب العالمين.
لهذه القوة نحن مدينون بكل شيء لنا، بحياتنا وبصحتنا وبحواسنا وبكل ملاذ الحياة وصنوف النعيم.
فواجب علينا حبه وإجلاله وشكره، نحبه لأنه مصدر كل خير لنا، وهو الذي يمدنا من قدرته بكل ما لنا من وجود وقدرة، ونحبه لأنه الموجود الكامل الذى لا حد لكماله، ونحبه لأن من طبيعتنا أن نحبه، فكل إنسان على الفطرة يشعر بحنين إلى إله يفزع إليه عند الشدائد، ويتضرع إليه في كشف السوء عنه، ويجد في الإلتجاء إليه سلوة وأسى عند المصائب، ومشجعا على العمل وباعثا على التضحية إذا دعا الواجب.
ومن آثار حبه التعبد بأشكال العبادات المختلفة، فإنها خير ما تكون إذا دعت إليها حرارة الحب وكانت مظهرا من مظاهر الإخلاص لله والطاعة له، وإلا كانت مجرد حركات وصور وأشكال لا روح لها.
وإن من أحسن أنواع الشكر لله الخضوع لقوانين الأخلاق والعمل بما تقتضيه، ذلك لأن الله خلق هذا العالم وجعل سعادته مرتبطة بأشياء من صدق وعدل وأمانة ونحوها، وشقاءه وفناءه في أضدادها، ثم أمر بما يوصل إلى السعادة وسماه خيرا، ونهى عما يجلب الشقاء وسماه شرا، وتلك الأمور التي توصل إلى السعادة هي بعينها قوانين الأخلاق، فمخالفها عاص لأمر الله جاحد لنعمه، ومطيعها مطيع لأمره مؤد لواجبه.
অজানা পৃষ্ঠা