فصل في معرفة القلب وعسكره
اعلم أنه قيل في المثل المشهور: إن النفس كالمدينة، واليدين والقدمين وجميع الأعضاء ضياعها، والقوة الشهوانية واليها، والقوة الغضبية شحنتها، والقلب ملكها، والعقل وزيرها. والملك يدبرهم حتى تستقر مملكته وأحواله؛ لأن الوالي وهو الشهوة كذاب فضولي مخلط، والشحنة - وهو الغضب - شرير قتال خراب. فإن تركهم الملك على ما هم عليه، هلكت المدينة وخربت؛ فيجب أن يشاور الملك الوزير، ويجعل الوالي والشحنة تحت يد الوزير. فإذا فعل ذلك استقرت أحوال المملكة وتعمرت المدينة. وكذلك القلب يشاور العقل، ويجعل الشهوة والغضب تحت حكمه، حتى تستقر أحوال النفس، ويصل إلى سبب السعادة من معرفة الحضرة الإلهية.
ولو جعل العقل تحت يد الغضب والشهوة، هلكت نفسه، وكان قلبه شقيا في الآخرة.
فصل وظيفة القلب
اعلم أن الشهوة والغضب خادمان للنفس جاذبان يحفظان أمر الطعام والشراب والنكاح لعمل الحواس.
ثم النفس خادم الحواس شبكة العقل وجواسيسه يبصر بها صنائع البارئ جلت قدرته.
ثم الحواس خادم العقل، وهو للقلب سراج وشمعة يبصر بنوره الحضرة الإلهية؛ لأن الجنة وهي نصيب الجوف أو الفرج محتقرة في جنب تلك الجنة.
ثم العقل خادم القلب، والقلب مخلوق لنظر جمال الحضرة الإلهية.
فمن اجتهد في هذه الصنعة، فهو عبد حق، من غلمان الحضرة، كما قال ﷾: (وَما خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلّا لِيَعبُدون) .
معناه: إنا خلقنا القلب، وأعطيناه الملك والعسكر، وجعلنا
1 / 129