فقال الحاجب بسخرية: لا تعجب؛ فإن من شعرائهم من يتغنى بسمرة اللون. - حقا .. إن لونهم ولوننا كالطين والشعاع السني.
قال الحاجب: حدثني بعض رجالنا عن هؤلاء الجنوبيين فقال: إنهم على لونهم وعريهم ذوو صلف وكبرياء، وإنهم يزعمون أنهم منحدرون من أصلاب الآلهة، وإن بلادهم منبت الفراعنة الحقيقيين .. رباه .. إني أعرف الدواء لكل هذا .. لا ينقص إلا أن تمتد ذراعنا إلى حدود بلادهم.
وما انتهى الحاجب من كلامه حتى سمع أحد رجليه يقول، وهو يشير بإصبعه إلى الشرق: انظر .. أترى طيبة؟ هذه طيبة!
فنظروا جميعا إلى حيث يشير الرجل، فرأوا مدينة كبيرة يحيط بها سور عظيم، بدت خلفه رءوس المسلات عالية كأنها عمد ترفع القبة السماوية، ورئيت في ناحيتها الشمالية جدران معبد آمون الشاهقة، رب الجنود المعبود، فما وقعت العين فيها إلا على مارد عظيم يتعالى إلى السماء، فأخذ الرجال، وقطب الحاجب الأكبر وتمتم قائلا: نعم .. هذه طيبة .. وقد أتيحت لي رؤيتها من قبل، وما أزداد على الأيام إلا رغبة في أن تعنو الهام لمولانا الملك، وأن أرى موكبه الظافر يشق شوارعها.
فقال أحد الرجلين: وأن يعبد بها ربنا «ست» المعبود!
وخففت السفينة من سرعتها، ومضت تدنو من الشاطئ رويدا رويدا مجتازة الحدائق الغن، التي تنحدر مدرجاتها المعشوشبة حتى تسقى من النهر المقدس، وقد لاحت وراءها قصور طيبة الشم، وأما غربي الشاطئ الآخر، فتجثم مدينة الأبدية، حيث يرقد الخالدون في الأهرام والمصاطب والمقابر، تغشاهم جميعا وحشة الموت.
وتوجهت السفينة إلى ميناء طيبة، تشق سبيلها بين زوارق الصيد والسفن التجارية، وتجذب نحوها الأنظار لضخامتها وجمالها، وصورة اللوتس التي تزين مقدمها، حتى حاذت الرصيف، فألقت كلابها الضخم، وقصد إليها بعض الحراس، وانتقل إليها ضابط يرتدي فوق وزرته سترة من الكتان الأبيض، وسأل أحد رجالها قائلا: من أين انحدرت هذه السفينة؟ .. وهل تحملون تجارة؟
فحياه الرجل، وقال «اتبعني». واصطحبه إلى المقصورة، حيث أدرك الضابط أنه ماثل بين يدي حاجب كبير من حجاب قصر الشمال، قصر ملك الرعاة كما يدعونه في الجنوب، فانحنى احتراما وأدى التحية العسكرية، ورفع الحاجب يده ليرد التحية في صلف ظاهر وقال بلهجة متعالية: أنا رسول فرعون، ملك الشمال والجنوب، وابن الرب ست، مولانا أبوفيس، إلى حاكم طيبة الأمير سيكننرع لأؤدي إليه ما حملته من البلاغ.
وأصغى الضابط إلى الرسول في انتباه ثم أدى التحية مرة أخرى ومضى.
2
অজানা পৃষ্ঠা