وقالت تفيدة: تعيش يا بني، وهل نتمنى أنا وأبوك شيئا أجمل من الخطبة لك. - اليوم الثلاثاء. بكرة إن شاء الله نسافر في الصباح. - وهو كذلك.
وفي المساء ذهب متولي إلى الباشا وأخبره، فأصر الباشا على حضور الخطبة.
اشترى شهاب شبكة بخمسمائة جنيه، وكانت شيئا مشرفا له ولعروسه أمام كبار القوم الذين دعاهم راشد لحفل الخطبة، ولو أنهم لم يكونوا كثيرين، ولم يخبر متولي أحدا إلا الباشا. أما شهاب فهو الآخر قد أخبر الوزير الذي يعمل مديرا لمكتبه ووعد بالحضور، ولكنه لم يحضر. ودعا شهاب اثنين فقط من زملائه في العمل هما حماد شريف صديقه اللصيق، ويسري خطاب سكرتير الوزير منذ أصبح شهاب مديرا للمكتب.
وفي أثناء الحفل دعا فؤاد باشا شهابا إلى غرفة جانبية وأعطاه ظرفا قائلا: لم يتسع وقتي لشراء هدية، خذ هذا واشتر أنت وعروسك ما تريدان.
وتناول شهاب الظرف وهم بتقبيل يد الباشا وهو يفهم أن الباشا لا يقبل أن يقبل يده أحد؛ ولهذا لم يكن عجيبا أن يختطف الباشا يده قائلا: يا شهاب أنت ابني مثل عمر وعلي. - أطال الله عمرك يا سعادة الباشا، وأسعدك بعمر بك وعلي بك وعائشة هانم. - شكرا يا بني.
وقام الباشا ليعود إلى الآخرين وتبعه شهاب وخالطوا المدعوين، وبدأت مراسم الخطبة ولكن شهابا كان مشغولا عن دوره المفروض أن يقوم به بهذا الظرف الذي أعطاه له الباشا، كم يحوي هذا الظرف يا ترى؟ كان توقه إلى معرفة المبلغ الذي يحويه الظرف يأخذ عليه تفكيره كله، ليس للمبلغ في ذاته ولكن ليعرف إن كان الباشا ما زال كريما كشأنه، وهل ما زال غنيا قادرا أم قصم الإصلاح الزراعي ظهره فأصبح لا هو بالكريم ولا هو بالقادر.
تمت إجراءات الخطبة في شكلها المرسوم، وكان شهاب وعروسه وأهل عروسه جميعا قد ملأهم الزهو بالشبكة التي قدمها العريس. وهكذا نال شهاب ما كان يصبو إليه من تفاخر بفخامة الشبكة.
الوحيد الذي مسه كثير من العجب والدهشة هو متولي أبو العريس؛ من أين جاء شهاب بثمن هذه الشبكة التي بهرت المدعوين جميعا؟ إنه حتى لم يطلب مني أي مساعدة مالية، وربما عاونه حموه حتى يتاح له الزهو بالشبكة أمام المدعوين، هذا هو الأرجح؛ فالعروس وإن كانت دكتورة إلا أنها من المؤكد أنها ليست جميلة وليس عجيبا أن يعاون أبوها خطيبها لتكون الشبكة غالية الثمن إلى هذا الحد، وكانت بجواره زوجته تفيدة فإذا هي تلكزه بمرفقها سائلة زوجها: ما رأيك في العروس؟ - ليس الآن. - ومن أين أتى شهاب بهذه الشبكة التي بهرت المدعوين؟ - قلت لك ليس الآن. - على كل حال ربنا يزيده، هل أعطيته أنت شيئا؟ - لو كنت أعطيته لكنت أنت أول من يعرف. - عجيبة، ربنا يكثر ماله. - آمين. - آمين على أن يكون حلالا. - آمين وخلاص يا تفيدة.
وانتهت مراسم الخطبة وصحب شهاب أباه وأمه إلى بيته الذي لم يتمكنا من رؤيته على حقيقته في الليلة السابقة التي باتا فيها عنده؛ فقد خرجا في صباح يوم الخطبة ليزورا أولياء الله الصالحين، وأصر شهاب أن يدعوهما ليكون غداؤهما كبابا في سيدنا الحسين، وحين عادا إلى شقة شهاب بعد الظهيرة لم يكن الوقت متاحا ليسأله أبوه وأمه الأسئلة التي وجهاها إليه بعد حفل الحطبة. - الشقة عظيمة من أين لك كل هذا يا ولد؟ - خير الله كثير والحمد لله.
وقالت أمه: على أن يكون من الله لا من الشيطان. - اطمئني يا أمه. - والشبكة التي بهرت الأكابر الذين كانوا مدعوين. - الذي يهمك أنت وآبا أن يكون المال حلالا، وهو حلال، وأنا لم أطلب من أبي شيئا. - أنت لم تطلب وعلى كل حال أنا مستعد أن أساعدك بالذي تطلبه. - أعرف هذا، ولكن لماذا ما دامت مستورة؟ - الواقع أن أمورك أكثر من مستورة بكثير. - بركة دعواتك أنت وأمي، دقائق ويكون العشاء جاهزا.
অজানা পৃষ্ঠা