وتبدأ معها يد الإنجليز المتكالبة على مصر تخفف من ضغطها، ولم يعد يعنيها أن يبقى النحاس في الحكم أو لا يبقى، ويظل الملك متربصا بالأيام ولم يكن حتى ذلك الحين قد انحدر إلى الحمأة العفنة التي تردى إليها بعد ذلك.
وكان أحمد حسنين رجل القصر على قدرة دائما أن يجعل الملك على صلة بأدق مشاعر الإنجليز ورغباتهم.
وهكذا حين أصبح الملك على يقين أن النحاس لم يصبح ذا أهمية كبرى ولا صغرى عند الإنجليز أقال وزارته.
وكانت هذه الإقالات لوزارات الوفد هي أعظم ما تعتمد عليه شعبية الوفد. فقد كان الوفد مكروها طوال أيام حكمه حتى إذا أقيل عادت إليه شعبيته أعظم ما تكون العودة فالشعب المصري يحب الكفاح لأنه عاش عمره جميعا كفاحا ورثه منذ أيام مينا إلى اليوم فإذا لم يكافح هو أحب المكافح؛ لأنه يعبر عما يريد هو أن يفعله.
أقيلت الوزارة الوفدية وتألفت حكومة من الأحزاب الأربعة المعارضة للوفد في ذلك الحين. ومن هذه الأحزاب اثنان لهما أنصارهما، ولهما قوتهما الحقيقية، وآخران لا جذور لهما؛ أحدهما يرفع شعارا فيه رنين الخطابة وليس فيه منطق، والآخر تكون بما نال رئيسه من ظلم، وكان الظلم غاية الظلم في ذلك الحين أن يعتقل سياسي. فأما الحزبان الحقيقيان فهما الأحرار الدستوريون والسعديون، وقد كانت لهما الأغلبية الساحقة في البرلمان توشك أن تكون مناصفة بينهما. وأما حزب الشعار فهو الحزب الوطني وكان أعضاؤه في البرلمان قلة وفي الوزارة قلة أيضا توشك أن تكون رمزية. وأما الحزب الذي اشترك للظلم الذي لحق برئيسه وللكتاب الذي ألفه رئيسه فهو حزب الكتلة برئاسة مكرم عبيد وكان أعضاؤه في البرلمان قلة توشك أن تكون رمزية. أما في الوزارة فقد اشترك بعدد مساو لأعضاء كل من حزبي الأحرار والسعديين واستمر هذا الحكم بالوزارة خمس سنوات، فكانت تلك أول مرة تكتمل فيها دورة لمجلس النواب في مصر.
وجرت بعد ذلك انتخابات عامة وكان من الطبيعي أن يكتسح فيها الوفد. وما ظنك بحكم استمر خمس سنوات كاملة ولم يفز حزب الأحرار والهيئة إلا بما يزيد قليلا عن ثلاثين مقعدا لكل منهما.
تغيرت سياسة الوفد في هذه الوزارة عن سياسته التي لازمها فترات طويلة من حياته، فقد رأى أن يهادن الملك في وقت كان الملك فيه يحظى بكره شعبي سعى هو إليه بكل الوسائل، وعاونته عليه أسرته جميعا وخلصاؤه جميعا أيضا. وأحس الوفد أنه في مأزق حرج فلو أنه أرضى الشعب لأغضب الملك الذي كان في ذلك الحين قد أصبح يتصرف تصرفات رعناء بغير مشورة، إلا من خدم أغبياء يكرمهم أن يتصفوا بصفة خدم، بينما هم في الحقيقة كانوا يقومون بمهام تعتبر من أحقر المهام التي يقوم بها بشر.
ومن ناحية أخرى لو استمر الوفد على مجاراة الملك والتماس رضائه السامي فقد شعبيته فقدانا تاما.
وشهد الشعب في ذلك الحين نوعا عجيبا من السياسة فقرأ تصريحا لرئيس الوزراء يقول إن في كابري المدينة السياحية الإيطالية قبلة يجب أن نتجه إليها جميعا وكان الملك في كابري في ذلك اليوم.
ثم راح الوفد يثخن الدستور بسياط لم تعهدها مصر من أي حكومة حتى ذلك الحين، فإذا بالوزارة تستصدر مرسوما من السراي بطرد ما يقرب من عشرين عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ من بينهم رئيس المجلس في ذلك الحين الدكتور محمد حسين هيكل رئيس حزب الأحرار الدستوريين والكاتب الإسلامي العملاق ومنشئ الرواية المصرية، وكان معه جماعة كل اسم منهم يعتبر أمة في ذاته.
অজানা পৃষ্ঠা