وكأن الله قد شاء أن يؤدي إبراهيم ما خلق له ثم يطويه إليه سراجا وهب الحياة ما تحمله روحية ثم انطفأ!
وانطفأت الحياة جميعا في عيني عبد الهادي، وتعلقت نفسه بالجنين قبل أن يراه أملا ليأس قاتم ونورا لظلمات من طبقات بعضها فوق بعض، حتى كأن إبراهيم إن أخرج يده لم يكد يراها إلا بهذا البصيص من الشعاع الذي يومض إليه ممن تحمله روحية!
وأصبح انتظار المولود هو عمل عبد الهادي الذي لا عمل له غيره. كانت يد الطفل تمتد من السماء، ويتعلق بها عبد الهادي تمسك الغريق ليس له غيرها أملا.
وحل موسم الحج. ووجد عبد الهادي أنه إذا حج يستطيع أن يعود قبل أن تلد روحية، فخرج إلى الحجاز. هناك يدعو: لبيك اللهم. لبيك فيما أخذت، ولبيك فيما أعطيت، عبادك نحن نرضى بما قسمت، ونردد آياتك التي منها كلماتك المشرقة الوضاءة.
إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون
صدق الله العظيم.
2
عاد عبد الهادي من الحج، وفور عودته طلب من القابلة الحاجة مبروكة أن تقيم في البيت إقامة كاملة حتى تشرف على راحة روحية لا لتقوم بتوليدها؛ فقد كان ينوي أن يجعل الطبيب جابر فواز، أحسن أطباء النساء في المركز، يتولى هو ولادة روحية.
وتمر الأيام ويفاجأ عبد الهادي بالشيخ مأمون الزيادي قادما إليه: يا حاج عبد الهادي؛ فقد سكت طوال هذه الفترة احتراما لحزنك. - سكت عن ماذا؟ - عن بقاء روحية في بيتك. - أليست ابنتي؟ - ولكن زوجها ...
وألجم الأسى لسان الرجل الطيب وقال عبد الهادي: ماذا؟ لماذا لا تقولها؟ - لقد كان مني بمكان الابن أيضا. - هل أنت واثق؟ - الله أعلم. - إذن فأنت صادق في قولك. - لا شك في ذلك. - أما إن شأنك لعجيب! - وأي عجب أن تلد ابنتي في بيتي؟ - يا أخي، لقد اعتبرت أنت ابني ابنك، فلماذا تأبى أن تكون ابنتك بنتي، وهي تحمل ابن ابني فعلا؟ - العرف والتقاليد. - ومتى كان لي بيت ولك بيت يا شيخ مأمون؟ - أخشى أن يقول الناس إنني بخلت أن أنفق على ولادة ابنتي. - أكلام صغير كهذا يجعلك تطلب أن أترك ابن ابني يولد في غير بيته. اسمع يا شيخ مأمون: إن روحية لن تترك بيتي، لا قبل الولادة ولا بعد الولادة، إن شاء الله، وإذا كلمتني في هذا الأمر مرة أخرى لمجرد خشية كلام صغار فستكون قطيعة بيني وبينك. - لا قدر الله، أنت كبيرنا، وبيتك بيت الجميع، فلا عجب أن يكون بيت حفيدك وأم حفيدك. - وابنتك ابنتي على كل حال. - توكلنا على الله. السلام عليكم. - ألا تزور ابنتك وتدعو لها؟ - أخشى أن أثير في البيت اضطرابا. - المرء لا يثير في بيته اضطرابا أبدا، ادخل على بركة الله. •••
অজানা পৃষ্ঠা