أما العيون فهي أصدق ترجمان عن العواطف المختلفة الكامنة في كل إنسان، فإن أردت التعبير عن الغيظ أو الدهش أو الإعجاب أو الخوف فتحتها، وإن أردت التعبير عن القلق والتواضع والمسكنة قفلتها، أو الجزع والاشمئزاز والرياء وما شاكل أدرتها يمنة وشمالا، أو الدعاء والألم الشديد رفعتها إلى السماء، أو اليأس والعار والتفكير والحيرة والخشوع والحياء خفضتها إلى الأرض، أو الشدة والإثبات والرجاء وغيره أثبتها في مكانها، والظفر والفرح وما إليهما يكسبهما تألقا وبريقا كما أن الضعف والمرض يكسوهما جمودا كالزجاج.
أما إطباق الجفون عند التكلم أو الشخوص بالنظر إلى جهة واحدة فهذا ما يجب على كل متكلم أن يتحاشاه.
وهناك حركات أخرى للرأس والكتف وغيرهما نكتفي بالإشارة إليها؛ لأنها تخص الممثل أكثر من الخطيب.
هذه الشروط التي تجعل للمنبر ذاتا معينة، وكل خطيب حافظ عليها فقد استوفى حظه من البلاغة، وكان له من التأثير أبعد مداه وأقصى مرماه. وقد وقعت على غير خطبة اشتهر قائلها بعلو الكعب في الخطابة، فلم أجد لدى قراءتها ما يبرر تلك الشهرة مما يدلك أن الصوت وحسن الأداء وهيئة الخطيب هي من العوامل القوية التي تكفي أحيانا لتزين المنابر وتعطي وثابها سلطانا على القلوب.
ولا بد قبل الختام من التنبيه إلى اللباس وضرورة الاهتمام به؛ لأن جمال الهندام يؤثر حتى في نفس اللابس، ولهذا تجد للإفرنج عناية خاصة به ولا يتسامح أحد منهم في إهماله. وقد رأينا تتميما للفائدة أن نورد في آخر هذا الفصل بعض الرسوم التي تستعمل فيها الإشارات، وتدل على المواقف التي تنقبض فيها اليد أو تبسط وتطوى الأصابع أو تنشر بالنسبة إلى الخطيب والموضوع، وما يقتضيه البرهان أو النفي أو التعجب أو الوعيد أو الاستعطاف أو النفور وما شاكل. (6) خلاصة ما تقدم
كن في وقفتك بعيدا عن التكلف، واجتنب الخروج عن المألوف في إشاراتك وإلقائك، وحافظ ما أمكن على صوتك الطبيعي ولا تقلد غيرك من الخطباء والوعاظ والممثلين.
وجنب في بداية الخطاب عن التزام نبرة واحدة وحركة واحدة؛ لئلا تشبه التلميذ في تلاوة درسه لا الخطيب في فيض بلاغته.
وأفرغ من نفسك في صوتك وحركاتك لتخلع على كلامك برد الحياة، ولا تنس أن تنوع نبرة الصوت دون أن تخرج به عن الطور الطبيعي فتتعب سامعيك.
وعلى الجملة فلتكن البساطة دليلك، والطبيعة هاديك فترسل كلامك إلى أعماق القلوب بلا صياح ولا جهد ولا تدجيل.
وإذا لم تساعدك الطبيعة فكنت محروما جمال الطلعة، أو اعتدال القامة فإن لك ما يغطي هذه العيوب ويستر تلك النقائص بالتمرن على حسن الإلقاء والعناية بالصوت وتربيته بالرياضة لتأخذ من النغمات العالية رنتها والوطيئة قوتها.
অজানা পৃষ্ঠা