والخطيب البليغ قلما يحتاج إلى الإشارة عندما تتزاحم على شفتيه خواطر القلب والفكر، ومن الخطباء من لا يستعملها أبدا، كما أن منهم من يفرط فيها؛ وهذا يرجع في الغالب إلى العادات والأخلاق، فالأنكلوسكسون مثلا خلاف الشعب اللاتيني، ولهذا عندما ذهب جوريس إلى لندن للخطابة في جماعة الاشتراكيين لم يجد من النجاح ما تعوده في بلاده، بل كان تعجب القوم منه أكثر من إعجابهم به.
على أن الإشارة كما قلنا ضرورية للخطيب بوجه الإطلاق، وبها يملك الانتباه ويصل إلى ما يبغي من التأثير. والصوت مهما تختلف تموجاته لا يكفي للإفادة والإقناع، والتعبير عن معاني اللذة والألم والغضب واليأس والاحتقار، وما إلى ذلك إن لم تساعده حركات اليد وملامح الوجه وبريق العينين وإشارة الطرف والحاجب.
فضلا عن ذلك فإن حركة الأيدي فسيولوجية؛ أي إنها لازمة طبعا؛ لأنها تساعد على إنماء الصدر وإخراج الهواء كلما احتيج إلى رفع طبقة الصوت كما في حال الغضب أو غيره، ولا يستطيع المرء أن يتكلم بصوت عال ويداه إلى جنبيه دون أن يحس ضيقا وتعبا.
وقد اتفق الفن مع الهجين ففي الكلام العادي المعتدل كالوصف مثلا يجب قلة الحركة، وأما في الحماسة وغيرها من مثيرات العواطف فالحركة الكبيرة الواسعة لازمة لتفريج الصدر الممتلئ هواء فلا ينال التعب من الخطيب أو صوته.
ولكن الإكثار من الإشارة باليد خطل وتبديد لانتباه السامع، فعلى الخطيب أن يفهم ذلك فيقتصد فيها، وأن يتخذ الذوق مرشدا ودليلا.
ويجب أن توافق حركة اليد المعنى وتسبقه فإن قلت لإنسان مثلا: اخرج من هنا. فأول ما ينتظره منك أن تمد يدك أو إصبعك نحو مكان الخروج كأنك تدله عليه.
وليست كل الإشارات لازمة في كل حال، بل منها ما لا حاجة إليه على الإطلاق ولا معنى له كمد الإصبع، أو بسط اليد أو الضرب على المنبر عند كل جملة أو حك الرأس أو ما وراء الأذن.
وتختلف الإشارة باليد حسب المكان فتكون واسعة في الهواء المطلق، وقد يستغنى عنها في المكان الضيق فيكتفي الخطيب بملامح الوجه وحركات الطرف والحاجب.
شروط الإشارة باليد (1)
أن لا تمر من أمام جسم الخطيب. (2)
অজানা পৃষ্ঠা